الأول : معناه لا أدري ما يصير إليه أمري وأمركم ، ومن الغالب منّا ومن المغلوب؟ (١).
الثاني : قال ابن عباس ـ في رواية الكلبي ـ : لما اشتد البلاء بأصحاب النبي ـ صلىاللهعليهوسلم ـ بمكة رأى في المنام أنه يهاجر إلى أرض ذات نخل وشجر وماء فقصها على الصحابة فاستبشروا بذلك ورأوا أن ذلك فرج ممّا هم فيه من أذى المشركين. ثم إنّهم مكثوا برهة من الدهر لا يرون أثر ذلك فقالوا : يا رسول الله : ما رأينا الذي قلت ، متى نهاجر إلى الأرض التي رأيتها في المنام؟ فسكت النبي ـ صلىاللهعليهوسلم ـ وأنزل الله تعالى : (قُلْ ما كُنْتُ بِدْعاً مِنَ الرُّسُلِ وَما أَدْرِي ما يُفْعَلُ بِي وَلا بِكُمْ) وهو شيء رأيته في المنام وأنا لا أتبع إلا ما يوحيه الله إليّ.
الثالث : قال الضحاك : لا أدري ما تؤمرون به ، ولا ما أومر به من التكاليف ، والشرائع ، ولا من الابتلاء والامتحان وإنما أنذركم بما أعلمني الله به من أحوال الآخرة من الثواب والعقاب ، ثم أخبر تعالى أنه يظهر دينه على الأديان فقال : (هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ) [الفتح : ٢٨] وقال في أمته : (وَما كانَ اللهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَما كانَ اللهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ) [الأنفال : ٣٣] فأخبره الله ما يصنع (٢) به وبأمته قاله السدي.
الرابع : كأنه يقول : ما أدري ما يفعل بي في الدنيا ، أموت أو أقتل ، كما قتل الأنبياء قبلي ولا أدري ما يفعل بكم أيها المكذّبون أترمون بالحجارة من السماء أو يخسف بكم أو يفعل بكم ما يفعل بسائر الأمم ، وأما من حمل الآية على أحوال الآخرة فروى عن ابن عباس أنه قال : لما نزلت هذه الآية فرح المشركون والمنافقون واليهود وقالوا : كيف نتبع نبيا لا يدري ما يفعل به ربّه فأنزل الله تعالى : (إِنَّا فَتَحْنا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً لِيَغْفِرَ لَكَ اللهُ ما تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَما تَأَخَّرَ) إلى قوله : (وَكانَ ذلِكَ عِنْدَ اللهِ فَوْزاً عَظِيماً) [الفتح : ١ ـ ٥] فقالت الصحابة : هنيئا لك يا نبي الله ، قد علمنا ما يفعل بك فما يفعل بنا؟ فأنزل الله ـ عزوجل ـ : (لِيُدْخِلَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ) [الفتح : ٥] الآية وأنزل : (وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ بِأَنَّ لَهُمْ مِنَ اللهِ فَضْلاً كَبِيراً) [الأحزاب : ٤٧] فبين الله ما يفعل به وبهم ، وهذا قول أنس وقتادة والحسن وعكرمة. وقالوا : إنما قال هذا قبل أن يخبر بغفران ذنبه وإنما أخبر بغفران ذنبه عام الحديبية فنسخ ذلك قال ابن الخطيب : وأكثر المحققين استبعدوا هذا القول لوجهين :
الأول : أن النبي ـ صلىاللهعليهوسلم ـ لا بدّ وأن يعلم من نفسه كونه نبيّا ، ومتى علم كونه نبيا ، علم أنه لا يصدر عنه الكبائر وأنه مغفور له ، وإذا كان كذلك امتنع كونه شاكّا في أنه هل هو مغفور له أم لا؟.
__________________
(١) وهو رأي الحسن رضي الله عنه.
(٢) في ب بما يصنع.