أحدها : أنها استئنافية (١). والثاني : أنها تبدل من الكاف الواقعة مفعولا ثانيا (٢). قال الزمخشري : لأن الجملة تقع مفعولا ثانيا فكانت في حكم المفرد ، ألا تراك لو قلت : أن نجعلهم سواء محياهم ومماتهم كان سديدا ، كما تقول : ظننت زيدا أبوه منطلق (٣).
قال أبو حيان : وهذا ـ أعني إبدال الجملة من المفرد ـ أجازه ابن جني (٤) وابن مالك (٥) ومنعه ابن العلج (٦) ، ثم ذكر عنه كلاما كثيرا في تقريره ذلك. ثم قال : «والذي يظهر أنه لا يجوز ـ يعني ما جوزه الزمخشري ـ قال : لأنها بمعنى التّصيير ، ولا يجوز : صيّرت زيدا أبوه قائم ؛ لأن التصيير انتقال من ذات إلى ذات أو من وصف في الذات إلى وصف فيها ، وتلك الجملة الواقعة بعد مفعول صيرت المقدرة مفعولا ثانيا ليس فيها انتقال مما ذكر فلا يجوز.
قال شهاب الدين : ولقائل أن يقول : بل فيها انتقال من وصف في الذات إلى وصف فيها ، لأن النحاة نصوا على جواز وقوع الحمل صفة وحالا ، نحو : مررت برجل أبوه قائم ، وجاء زيد أبوه قائم ، فالذي حكموا عليه بالوصفية والحالية يجوز أن يقع في حيّز التصيير ؛ إذ لا فرق بين صفة وصفة من هذه الحيثية (٧).
الثالث : أن تكون الجملة حالا (و) التقدير : أم حسب الكفار أن نصيرهم مثل المؤمنين في حال استواء محياهم ومماتهم؟! ليسوا كذلك بل هم مقترفون (٨). وهذا هو الظاهر عند أبي حيان وعلى الوجهين الأخيرين تكون الجملة داخلة في حيّز الحسبان ، وإلى ذلك نحا ابن (٩) عطية فإنه قال : مقتضى هذا الكلام أن لفظ الآية خبر ، ويظهر أن
__________________
(١) وهو رأي نقله الزمخشري في الكشاف كما سبق ٣ / ٥١٢ وانظر الدر المصون ٤ / ٨٣٦.
(٢) المرجعين السابق.
(٣) الكشاف المرجع السابق.
(٤) فقد جوز في البيت :
إلى الله أشكو بالمدينة حاجة |
|
والشام أخرى كيف يلتقيان |
أن تبد ل «كيف يلتقيان» من (حاجة وأخرى) إبدال جملة من مفرد. وانظر الأشموني ٣ / ١٣٢ ، والتصريح ٢ / ١٦٢ و ١٦٣ والمرادي على الألفية ٣ / ٢٦٤ و ٢٦٥.
(٥) قال في تسهيله : «وقد تبدل جملة من مفرد». انظر التسهيل ١٧٣.
(٦) الإمام ضياء الدين أبو عبد الله محمد بن علي الإشبيليّ. من مصنفاته كتاب «البسيط» وقاله فيه : «ولا يصح أن تكون جملة معمولة للأول في موضع البدل كما كان في النعت لأنها تقدر تقدير المشتق وتقدير الجامد فيكون بدلا ، فيجتمع فيه تجوزان ، ولأن البدل يعمل فيه العامل الأول فيصح أن يكون فاعلا والجملة لا تكون في موضع الفاعل بغير سائغ ، لأنها لا تضمر ، فإن كانت غير معمولة فهل تكون جملة لا يبعد عندي جوازها كما يتبع في العطف الجملة للجملة ، ولتأكيد الجملة التأكيد اللفظي انتهى انظر البحر المحيط ٨ / ٤٧ ونشأة النحو ٣٢٣.
(٧) الدر المصون ٤ / ٨٣٧.
(٨) المرجعين السابقين.
(٩) في أالزمخشري بدل من ابن عطية ، والتصحيح من ب.