وعن الثاني : بأن لفظ «الظالمين» صيغة جمع دخل عليها حرف التعريف فيفيد العموم ، أقصى ما في الباب أن هذه الآية وردت لذم الكفار ، لأن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب ، وعن الثالث أن قوله : (ما لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ) يفيد أن كل واحد من الظالمين محكوم عليه بأنه ليس له حميم ولا شفيع يطاع.
وأجيبوا عن الأول بأن القوم كانوا يقولون في الأصنام : إنها شفعاؤهم عند الله ، وكانوا يقولون : إنها تشفع لهم عند الله من غير حاجة إلى إذن فلهذا السبب رد الله تعالى عليهم ذلك بقوله : (مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ)(١) [البقرة : ٢٥٥] فهذا يدل على أن القوم اعتقدوا أنه يجب على الله تعالى إجابة تلك الأصنام في الشفاعة وهذا نوع طاعة فالله تعالى نفى تلك الطاعة بقوله : (ما لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلا شَفِيعٍ يُطاعُ). وعن الثاني بأن قالوا : الأصل في حرف التعريف أن ينصرف إلى المعهود السابق فإذا دخل حرف التعريف على صيغة الجمع وكان هناك معهود سابق انصرف إليه ، وقد حصل في هذه الآية معهود سابق وهم الكفار الذين يجادلون في آيات الله فوجب أن ينصرف إليهم. وعن الثالث بأن قالوا قوله : (ما لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلا شَفِيعٍ يُطاعُ) يحتمل عموم السلب ، ويحتمل سلب العموم ، أما الأول : فعلى تقدير أن يكون المعنى أنّ كل واحد من الظالمين محكوم عليه بأنه ليس له حميم ، ولا شفيع. وأما الثاني : فعلى تقدير أن يكون مجموع الظالمين ليس لهم (٢) حميم ولا شفيع ، ولا يلزم من نفي الحكم عن المجموع نفيه عن كل واحد من آحاد ذلك المجموع ، ويؤيد ما ذكرناه قوله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَواءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لا يُؤْمِنُونَ) [البقرة : ٦] وقوله : (إِنَّ الَّذِينَ حَقَّتْ عَلَيْهِمْ كَلِمَتُ رَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ) [يونس : ٩٦] فإن حملناه على أن كل واحد منهم محكوم عليه بأنه لا يؤمن لزم وقوع الخلف في كلام الله تعالى ؛ لأن كثيرا ممن كفر قد آمن بعد ذلك ، أما لو حملناه على أنّ مجموع الذين كفروا لا يؤمنون سواء آمن بعضهم أو لم يؤمن صدق وتخلص عن الخلف ، فلا جرم حملنا هذه الآية على سلب العموم لا على عموم السلب وحينئذ يسقط استدلال المعتزلة بهذه الآية (٣).
قوله «يعلم» فيه أربعة أوجه :
أظهرها : أنه خبر آخر عن «هو» في قوله (هُوَ الَّذِي يُرِيكُمْ آياتِهِ)(٤) ، قال الزمخشري : فإن قلت : بم اتصل قوله (يَعْلَمُ خائِنَةَ الْأَعْيُنِ) قلت : هو خبر من أخبار
__________________
(١) وانظر في هذا كله تفسير الرازي ٢٧ / ٥١ ، ٥٠ بتوضيح وشرح لكلام الزّمخشري في الكشاف ٣ / ٤٢٠ ، ٤٢١.
(٢) في ب له مفردا.
(٣) انظر تفسير الإمام الفخر المرجع السابق.
(٤) هذا رأي الزمخشري في الكشاف ٣ / ٤٢١ وقد ذكره الإمام السمين في الدر ٤ / ٦٨٦.