الشياطين ليصدون الكفار العاتين ، ويحسبون أنهم مهتدون أي ويحسب كفار بني آدم أنهم على الهدى (١).
قوله تعالى : (حَتَّى إِذا جاءَنا) قرأ أبو عمرو والأخوان وحفص «جاءنا» ، بإسناد الفعل إلى ضمير مفرد يعود على لفظ «من» وهو العاتي ، وحينئذ يكون هذا مما حمل فيه على اللفظ ، ثم على المعنى ثم على اللفظ ، فإنه حمل أولا على لفظها في قوله : (نُقَيِّضْ لَهُ .. فَهُوَ لَهُ) ثم جمع على معناها في قوله : (وَإِنَّهُمْ لَيَصُدُّونَهُمْ) ... ويحسبون أنهم ثم رجع إلى لفظها في قوله : «جاءنا» والباقون : «جاءانا» مسندا إلى ضمير تثنية (٢) ، وهما العاتي وقرينه جعلا في سلسلة واحدة فحينئذ يقول الكافر لقرينه (يا لَيْتَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ بُعْدَ الْمَشْرِقَيْنِ) أي بعد ما بين المشرق والمغرب ، فغلّبت إحداهما على الآخر ، كالقمرين والعمرين قال الفرزدق :
٤٤٠٥ ـ ......... |
|
لنا قمراها والنّجوم الطّوالع (٣) |
ويقولون للكوفة والبصرة : البصرتان ، والغداة والعصر : العصران ، ولأبي بكر ، وعمر : العمران وللماء والثمر : الأسودان (٤) وقيل : أراد بالمشرقين : مشرق الصيف ومشرق الشتاء والأول أصلح (٥). وقيل : بعد المشرقين من المغربين (٦). وقال ابن الخطيب : إن أهل النجوم يقولون : إن الحركة التي تكون من المشرق إلى المغرب هي حركة الفلك الأعظم ، والحركة التي من المغرب إلى المشرق هي حركة الكواكب الثابتة والأفلاك المميلة (٧) والسيارات سوى القمر ، وإذا كان كذلك فالمشرق والمغرب كل واحد منهما مشرق بالنسبة إلى شيء ومغرب بالنسبة إلى شيء آخر. فثبت أن إطلاق لفظ المشرق على كل واحد من الجهتين حقيقة ثم ذكر وجها آخر ، وهو أن الحسّ يدل على أن الحركة اليومية إنما تحصل بطلوع الشمس من المشرق إلى المغرب ، وأما من المغرب فإنه يظهر في أول الشهر في جانب المغرب ، ثم لا يزال يتقدم إلى جانب المشرق وذلك يدل على أن حركة القمر من المغرب. وإذا ثبت هذا بالجانب المسمى بالمشرق ، فإنه
__________________
(١) البحر المحيط ٨ / ١٦.
(٢) من القراءات المتواترة انظر السبعة ٥٨٦ ، والإتحاف ٣٨٦ ومعاني الفراء ٣ / ٣٣ والبحر المحيط ٨ / ١٦ ، والدر المصون ٤ / ٧٨٥ ، والكشاف ٣ / ٤٨٨.
(٣) عجز بيت من الطويل له ، صدره :
أخذنا بآفاق السّماء عليكم |
|
............. |
والبيت شاهد على تغليب القمر على الشمس والقمر في قوله : قمراها. وانظر معاني الزجاج ٤ / ١٤٢ والمقتضب ٤ / ٣٢٦ ، والمغني ٦٨٧ شرح شواهده للسيوطي ١٣ و ٩٦٤ والطبري ٢٥ / ٤٤ ، ومجمع البيان ٩ / ٧٤ وتفسير الفخر الرازي ٢٧ / ٢١٣ والقرطبي ١٦ / ٩١ والفراء ٣ / ٣٣.
(٤) انظر القرطبي ١٦ / ٩١.
(٥) السابق ومعاني الفراء ٣ / ٣٣.
(٦) قاله الزجاج في معاني القرآن ٤ / ٤١٢.
(٧) في الرازي : الممثلة التي للسيارات سوى القمر.