قوله تعالى : «فاطر» العامة على رفعه خبرا «لذلكم» ، أو نعتا «لربي» على محض إضافته و (عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ) معترض على هذا ، أو مبتدأ وخبره (جَعَلَ لَكُمْ) أو خبر مبتدأ مضمر أي هو (١).
وقرأ زيد بن علي «فاطر» بالجر (٢) ، نعتا للجلالة في قوله : (إِلَى اللهِ) وما بينهما اعتراض أو بدل من الهاء في «عليه» أو «إليه» (٣).
وقال مكيّ : وأجاز الكسائي النصب على البدل (٤) ، وقال غيره : على المدح ويجوز في الكلام الخفض على البدل من (٥) الهاء كأنه لم يطلع على أنها قراءة زيد بن علي.
قوله : (جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْواجاً وَمِنَ الْأَنْعامِ أَزْواجاً) قيل معناه : جعل لكم من أنفسكم أزواجا أي مثل خلقكم (٦) ، وأزواجا أي حلائل ، وقيل معنى من أنفسكم أي خلق حوّاء من ضلع آدم ، (وَمِنَ الْأَنْعامِ أَزْواجاً) أي أصنافا ذكورا وإناثا (٧).
قوله : (يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ) أي يكثركم. وقوله : «فيه» يجوز أن تكون «في» على بابها ، والمعنى يكثركم في هذا التدبير ، وهو أن يجعل الناس والأنعام أزواجا حتى كان بين ذكورهم وإناثهم التوالد. والضمير في «يذرأكم» للمخاطبين والأنعام ، إلا أنه غلب فيه العقلاء من وجهين :
أحدهما : أنه غلب فيه جانب العقلاء على غير العقلاء.
الثاني : أنه غلب جانب المخاطبين على الغائبين (٨).
قال الزمخشري : وهي من الأحكام ذات العلّتين (٩). قال أبو حيان : وهو اصطلاح غريب (١٠) يعني أن الخطاب يغلب على الغيبة إذا اجتمعا. ثم قال الزمخشري : فإن قلت : ما معنى يذرأكم في هذا التدبير وهلا قيل : يذرأكم به؟ قلت : جعل هذا التدبير كالمنبع والمعدن للبث والتكثير ، ألا تراك تقول للحيوان في خلق الأزواج تكثير ، كما قال تعالى : (وَلَكُمْ فِي الْقِصاصِ حَياةٌ) [البقرة : ١٧٩]. وقيل : إنها للسببيّة كالباء أي
__________________
(١) قال بهذه الأوجه ابن الأنباري في البيان ٢ / ٣٤٥ والسمين في الدر ٤ / ٧٤٦ وانظر الكشاف ٣ / ٤٦٢ والبحر المحيط ٧ / ٥٠٩ والتبيان ١١٣١.
(٢) ذكرها أبو حيان في البحر ٧ / ٥٠٩ كما ذكرها صاحب شواذ القرآن ٢١٥ والكشاف ٣ / ٤٦٢ والقرطبي ١٦ / ٧ ، ومشكل الإعراب ٢ / ٢٧٦.
(٣) التبيان والسمين المرجعين السابقين.
(٤) مشكل إعراب القرآن لمكي ٢ / ٢٧٦.
(٥) السابق ، وقد نقل القرطبي الرأيين النصب والجر. انظر الجامع ١٦ / ٧. وقد قال السمين : وأما النصب فلم أحفظ له قراءة انظر الدر المصون ٤ / ٧٤٦.
(٦) قاله البعوي في معالم التنزيل ٦ / ١١٨.
(٧) الرازي ٢٧ / ١٤٩.
(٨) السابق.
(٩) الكشاف ٣ / ٦٢٤.
(١٠) البحر المحيط ٧ / ٥١٠.