فصل
المعنى وحفظناها من الشياطين الذين يسترقون السمع ، ثم قال : «ذلك» أي الذي ذكر من صنعة «العزيز» في ملكه «العليم» بخلقه فالعزيز إشارة إلى كمال القدرة ، والعليم إشارة إلى كمال العلم (١).
قوله تعالى : (فَإِنْ أَعْرَضُوا فَقُلْ أَنْذَرْتُكُمْ صاعِقَةً مِثْلَ صاعِقَةِ عادٍ وَثَمُودَ (١٣) إِذْ جاءَتْهُمُ الرُّسُلُ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّ اللهَ قالُوا لَوْ شاءَ رَبُّنا لَأَنْزَلَ مَلائِكَةً فَإِنَّا بِما أُرْسِلْتُمْ بِهِ كافِرُونَ (١٤) فَأَمَّا عادٌ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَقالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَكانُوا بِآياتِنا يَجْحَدُونَ)(١٥)
قوله تعالى : (فَإِنْ أَعْرَضُوا فَقُلْ أَنْذَرْتُكُمْ صاعِقَةً) هذا التفات من خطابهم بقوله : (قُلْ أَإِنَّكُمْ) إلى الغيبة لفعلهم الإعراض ، أعرض عن خطابهم وهو تناسب حسن ، والمعنى أن الحجة قد تمت على أكمل الوجوه ، فإن بقوا مصرين على الجهل لم يبق حينئذ علاج في حقهم إلا إنزال العذاب عليهم ، فلهذا قال : (فَإِنْ أَعْرَضُوا فَقُلْ أَنْذَرْتُكُمْ صاعِقَةً مِثْلَ صاعِقَةِ عادٍ وَثَمُودَ) ، أي هلاكا مثل هلاكهم ، والإنذار التخويف.
قال المبرد : الصاعقة المرة المهلكة لأي شيء كان (٢). وقرأ الجمهور : صاعقة مثل صاعقة بالألف فيهما. وابن الزبير (٣) والنخعي والسلمي وابن محيصن : صعقة مثل صعقة محذوف الألف وسكون العين (٤). وتقدم الكلام في ذلك في أوائل البقرة (٥). يقال : صعقته الصاعقة فصعق. وهذا مما جاء فيه فعلته بالفتح ففعل بالكسر. ومثله : جذعته فجذع (٦). قال الزمخشري : والصعقة المرة من الصعق (٧).
قوله : (إِذْ جاءَتْهُمُ) فيه أوجه :
أحدها : أنه ظرف «لأنذرتكم» ، نحو : لقيتك إذ كان كذا (٨).
الثاني : أنه منصوب بصاعقه ، لأنها بمعنى العذاب (٩) ، أي أنذرتكم العذاب الواقع في وقت مجيء رسلهم (١٠).
__________________
(١) انظر البغوي ٦ / ١٠٦.
(٢) الرازي ٢٧ / ١٠٨.
(٣) عبد الله بن الزبير رضي الله عنه أبو بكر القرشي الأسدي الصحابي وردت الروآية عنه في حروف القرآن مات مقتولا سنة ٧٣ انظر طبقات القراء ١ / ٤١٩.
(٤) من الشواذ غير المتواترات نقلها ابن خالويه في المختصر ١٣٣ والزمخشري في الكشاف ٣ / ٤٤٧.
(٥) يقصد قوله : «لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللهَ جَهْرَةً فأخذتهم الصَّاعِقَةُ» [البقرة : ٥٥].
(٦ و ٧) قاله الزمخشري في الكشاف ٣ / ٤٤٧.
(٨) التبيان ١١٢٤.
(٩) البحر المحيط ٧ / ٤٨٩.
(١٠) في ب رسله.