ذكره أبو البقاء فإنهم قالوا معناه مستو مهيّأ أمر هذه المخلوقات ونفعها للمحتاجين إليها من البشر ، فعبر بالسائلين عن الطالبين (١). وقرأ زيد بن علي والحسن وابن أبي إسحاق وعيسى ويعقوب وعمرو بن عبيد : سواء بالخفض (٢) على ما تقدم (٣). وأبو جعفر بالرفع (٤) وفيه وجهان :
أحدهما : أنه على خبر ابتداء مضمر ، أي هي سواء ، لا يزيد ولا ينقص ، وقال مكّي : هو مرفوع بالابتداء وخبره للسائلين (٥) ؛ وفيه نظر ، من حيث الابتداء بنكرة من غير مسوّغ. ثم قال : بمعنى مستويات لمن سأل فقال : في كم خلقت (٦)؟ وقيل : للسائلين لجميع السائلين لأنهم يسألون الرزق وغيره من عند الله تعالى (٧).
قوله «للسائلين» فيه ثلاثة أوجه :
أحدها : أنه متعلق بسواء بمعنى مستويات للسائلين (٨).
الثاني : أنه متعلق بقدّر ، أي قدر فيها أقواتها لأجل الطالبين لها (٩) المحتاجين
المقتاتين.
الثالث : أن يتعلق بمحذوف ، كأنه قيل : هذا الحصر لأجل من سأل : في كم خلقت الأرض وما فيها (١٠)؟.
قوله (تعالى) (١١) : (ثُمَّ اسْتَوى إِلَى السَّماءِ وَهِيَ دُخانٌ) أي عمد إلى خلق السماء(١٢). قال ابن الخطيب : من قولهم : استوى إلى مكان كذا إذا توجّه إليه توجّها لا يلتفت معه إلى عمل آخر وهو من الاستواء الذي هو ضد الاعوجاج. ونظيره قولهم : استقام إليه وامتدّ إليه ، قال تعالى : (فَاسْتَقِيمُوا إِلَيْهِ) [فصلت : ٦] والمعنى : ثم دعاه داعي الحكمة إلى خلق السماوات بعد خلق الأرض وما فيها (١٣) من صارف يصرفه عن
__________________
(١) في ب الظالمين وهو خطأ. وانظر البحر المحيط ٧ / ٤٨٦.
(٢) البحر المحيط ٧ / ٤٨٦ والتبيان ١١٢٤ وهي قراءة عشرية متواترة انظر الإتحاف ٣٨٠ ، والنشر لابن الجزري ٢ / ٣٦٦ وانظر أيضا معاني القرآن للفراء ٣ / ١٢ و ١٣ ومعاني القرآن وإعرابه للزجاج ٤ / ٣٨١.
(٣) نعت للأربعة.
(٤) متواترة عشرية أيضا وانظر المرجعين السابقين والكشاف ٣ / ٤٤٤ ومختصر ابن خالويه ١٣٢.
(٥) مشكل إعراب القرآن ٢ / ٢٧٠.
(٦) السابق.
(٧) وهو قول أهل المعاني القرطبي ١٥ / ٣٤٣.
(٨) الدر المصون ٤ / ٧٢٠.
(٩) في ب بها.
(١٠) قال بهذين الوجهين الزمخشري في الكشاف ٣ / ٤٤٤.
(١١) زيادة من أ.
(١٢) قاله البغويّ في معالم التنزيل ٦ / ١٠٥.
(١٣) في تفسيره : وما فيها من غير صارف وانظر الرازي ٢٧ / ١٠٤ ، وانظر لسان العرب (سوا) ٢١٦٤ ومعاني القرآن وإعرابه للزجاج ٤ / ٣٨١ ، وغريب القرآن ٣٨٨ ، وانظر بإفاضة في اللسان المرجع السابق.