أنّه يتعذّر معاينته إلّا بالمتشكّل كما أنّ المتشكّل يتعذّر إدراكه إلّا بواسطة الشكل.
وكذا يغلط من يعرف من حقائق الأشياء أعراضها وصفاتها ، ويظنّ أنّه قد عرف الصفة من حيث حقيقتها ، وهو لم يعرفها إلّا من حيث كونها صفة لموصوف مّا ، كما سبق التنبيه عليه ، وكما قلنا آنفا في الكيفيّات المدركة : إنّها أحوال للأمر المتشكّل من حيث هو متشكّل لا مطلقا ، فافهم.
وهذه المعرفة متعلّقها النسب لا الحقائق ، وصاحبها إنّما عرف نسب الحقائق بقيود سلبيّة أو إضافيّة ، و (١) لم يعرف كنهها ؛ إذ معرفة كنه الحقائق لا تحصل إلّا بالطريق المذكور من قبل ، المختصّ بذوق الأكابر ـ رضي الله عنهم ـ
ثم نقول : فأجزاء حدّ كلّ شيء بسيط ليست أجزاء لحقيقته ، بل لحدّه فحسب ، وهو شيء يفرضه العقل في المرتبة الذهنيّة ، فأمّا هو في ذاته فغير معلوم من حيث هو هو ، حتى تنتفي (٢) عنه الأجزاء نفيا حقيقيّا ، أو تثبت (٣) له ، ولهذا السرّ وما سبق بيانه في أوّل الكتاب تعذّرت معرفة حقائق الأشياء من حيث إطلاقها وبساطتها في حضرة الغيب الإلهي الذي هو معدنها الأعلى ، الوجه المنبّه عليه في سرّ العلم من قبل.
فالمتشكّل في ضرب المثل إذا اعتبر مجرّدا عن الشكل (٤) يكون في حضرة العلم الإلهي الغيبي ، فلا يتعيّن لنا ؛ لما بيّنّا ولا يمتاز ، فلا (٥) ينضبط في تصوّر ، ولا يتأتّى تعريفه وتحديده وتسميته والتعبير عنه ؛ لعدم تحقيق (٦) معرفته إلّا على وجه مجمل ، وهو أنّ ثمّة شيئا وراء هذا الشكل من شأنه أنّه متى اعتبر مجرّدا عن الصور والصفات والاعتبارات المعيّنة له والأشكال ، لا ينضبط في تصوّر ، ولا يمكن تعقّله على التعيين وشهوده ، فلا بدّ من أمر يظهر به الشكل الذي تقيّد به الأمر الموصوف بالتشكّل ، حتى تأتّى إدراك كلّ منهما ـ أعني الشكل (٧) والمتشكّل ـ من حيث ذلك الأمر وهو نسبة الجمع.
وأمّا اعتبار الشيء مجرّدا عن الشكل (٨) وحكم التشكّل كما قلنا ـ فيتعذّر معرفة حقيقته
__________________
(١) ق : لم يرد.
(٢) ق : ينقى.
(٣) ب : ثبت.
(٤) ق : التشكّل.
(٥) ق : ولا.
(٦) ق : تحقّق.
(٧) ق : التشكّل.
(٨) ق : التشكّل.