الواحدة مع نسبة المحاذاة كالكلمة المفيدة التي قيل فيها : إنّه لا تحصل الفائدة بأقلّ منها.
وقد عاينّا ذلك مرارا كثيرة من غير واحد من الأكابر (١) المشاركين من أهل المكاشفات الإلهيّة.
ومن أسرار هذا المقام أنّ الكلام من أثر المتكلّم في المخاطب وفعله ، ومنه اشتقّ اسمه ، ولا يصحّ الأثر إلّا بأحديّة الجمع ، مع تحقّق الارتباط والمناسبة كما مرّ بيانه في سرّ التجلّي وغيره.
فمتى غلب حكم الوحدة الجامعة على حكم الكثرة التفرقة كان الأمر أقوى وأسرع ، ويضعف إذا كان الأمر بالعكس.
والمختصّ بمرتبة الكلام من نسب القرب هو القرب من المقام الأوّل الأحدي الجمعي. وعدم تأثّر السامع من كلام من لا يعرف لغته واصطلاحه هو من كثرة الوسائط وحكم البعد وخفاء حكم الأحديّة والمناسبة ، وقد ظهر من أسرار هذا المقام حكمه في الأوامر الإلهيّة الواردة بالوسائط وبدونها ، فما لا يظهر للواسطة فيه عين أو سلطنة لا يقصى (٢) ولا يتأخّر نفوذه ، والواصل من جهة الوسائط المخالف في النعت لما ذكرنا قد ينفذ سريعا إذا ناسب حكم الجمعيّة حكم الأحديّة مناسبة المرآة الصافية الصحيحة الهيئة في المقدار للصورة المنطبعة فيها ، وقد يتأخّر. وقد سبقت الإشارة إلى شروط الأثر وما أمكن ذكره من أسراره ، وقد لوّحت فيه وفي سرّ التجلّي المنتج للعلم بما يعرف منه المستبصر اللبيب سرّ الكلام ، وأصله ، وحكمه ، والخطاب والكتابة ، وغير ذلك من أمّهات الأسرار والعلوم.
ثم نرجع إلى تتميم ما شرعنا في بيانه ، فنقول : وإن كان الأمر بخلاف ما ذكرنا في المناسبة ـ بمعنى أنّ المناسبة بين المتعلّم وما يطلب معرفته تكون شديدة ، وحكم النسبة القريبة ضعيفا ـ فإنّ المعرّف والمفيد يحتاج إلى تكثير أدوات التفهيم والتوصيل ، وتنويع التراكيب والتشكيلات الماديّة (٣) من الحروف والأمثلة وغيرهما من الأشياء التي هي
__________________
(١) ق : أكابر.
(٢) ه : يعصي.
(٣) ب : تشكلات المادّة.