فكمال العلم هو بظهور تفاصيله ونسبه ، والتفاصيل بحسب التعلّقات ، والتعلّقات على قدر المعلومات ، والمعلومات تتعيّن بحسب حيطة المراتب التي تعلّق بها العلم ، وبحسب ما حوت تلك المراتب من الحقائق ؛ فإنّ سائرها تابع للعلم من حيث أوّليّته وأحديّته وإحاطته وتعيّنها بالنسبة إلى كلّ عالم حسب قيوده المذكورة.
فإذا حصل التعلّق من تلك النسبة الوحدانيّة العلميّة بالمعلومات على نحو ما مرّ ، تبعه التفصيل إلى الغاية التي ينتهي إليها حكم تلك النسبة ، فإذا فصّل المدرك ذلك بحسب شهوده الوحداني ، وكسا العلم صورة التفصيل والظهور من الغيب إلى الشهادة ، حتى ينتهي إلى الغاية المحدودة له ، كان ذلك تكميلا منه لتلك النسبة العلمية بظهور حكمها وسراية أثرها بمتعلّقاتها وفيها ، وتكميلا لمرتبته أيضا ، من حيث مقام علمه وحكمه فيه ، وما يخصّه من الأمور التابعة لتعيّنه (١).
فمتى تكلّم عارف بعلم ذوقي وأظهره ، وكان محقّقا صحيح المعرفة ، فلما ذكرنا من الموجبات وهكذا كلّ مظهر بالقصد والذات حكم حقيقة من الحقائق ، أو حاضر مع الحقّ تعالى من كونه محلّا ومجلى لظهور تلك الحقيقة ، دون سعي منه أو تعمّل ، ولكن كلّ ذلك بالإذن المعيّن ، أو إذن كلّي عامّ. وما ليس كذلك من العلوم والعلماء فليس بعلم حقيقي إلّا بنسبة بعيدة ضعيفة ، ولا يعدّ صاحبه عند أكابر المحقّقين عالما بالتفسير المذكور ؛ فإنّ صاحب العلم الحقيقي هو الذي يدرك حقائق الأشياء كما هي وعلى نحو ما يعلمها الحقّ بالتفصيل المشار إليه ، مع رعاية الفروق المنبّه عليها.
ومن سواه يسمّى عالما بمعنى أنّه عارف باصطلاح بعض الناس ، أو اعتقاداتهم ، أو صور المفهومات من أذواقهم ، أو ظنونهم ، ومشخّصات صور أذهانهم ، ونتائج تخيّلاتهم ونحو ذلك من أعراض العلم ولوازمه وأحكامه في القوابل. وما هو فيه هذا الشخص من الحال إنّما هو استعمال من المراتب الإلهيّة له ولأمثاله من المتكلّمين بالعلوم ، والمظهرين أحكام الحقائق والظاهرة بهم وفيهم.
فإن رقّاه الحقّ إلى مقام العلم الحقيقي فإنّه يعلم أنّ الذي كان يعتقد فيه أنّه علم محقّق
__________________
(١) ق : لنفسه.