أراهم ارتباطها بالمألوه ، وأوقفهم على سرّ التضايف المنبّه على توقّف كلّ واحد من المتضايفين على الآخر وجودا وتقديرا ، فظهر لهم وجه مّا من وجوه المناسبة ، ثم نعت الألوهيّة بالوحدانيّة الثابتة عقلا وشرعا ووجدوها نسبة معقولة لا عين لها في الوجود ، فشهدوا وجها آخر من وجوه المناسبة ، وعرّفهم أيضا أنّ لكلّ موجود ـ سواء كان مركّبا من أجزاء كثيرة أو بسيطا بالنسبة أحديّة تخصّه وإن كانت أحديّة كثرة. وأنّ الغالب والحاكم عليه في كلّ زمان في ظاهره وباطنه حكم صفة من صفاته أو حقيقة من الحقائق التي تركّبت منها كثرته.
فأمّا من حيث ظاهره فلغلبة إحدى الكيفيّات الأربع (١) التي حدث عن اجتماعها مزاج بدنه ـ على باقيها. وأمّا من جهة الباطن فهو أيضا كذلك ؛ لأنّ الإرادة من كلّ مريد في كلّ حال وزمان لا يكون لها إلّا متعلّق واحد ، والقلب في الآن الواحد لا يسع إلّا أمرا واحدا ، وإن كان في قوّته أن يسع كلّ شيء.
وأراهم أيضا أحديّة كلّ شيء من حيث حقيقته المسمّاة ماهيّة وعينا ثابتة وهي عبارة عن نسبة كون الشيء متعيّنا في علم الحقّ أزلا ، وعلم الحقّ نسبة من نسب ذاته ، أو صفة ذاتيّة لا تفارق الموصوف ، كيف قلت على اختلاف المذهبين ، فنسبة معلوميّة كلّ موجود من حيث ثبوتها في العلم الإلهي لا تفارق الموصوف.
فظهر من هذه الوجوه المذكورة مناسبات أخر ، ولا سيّما باعتبار عدم المغايرة لعلم (٢) الذات عند من يقول به ، فالألوهيّة نسبة ، والمعلوميّة نسبة ، والتعيّن نسبة ، وكذا الوحدة المنعوت بها الألوهيّة نسبة ، والعين الممكنة من حيث تعرّيها عن الوجود نسبة ، والتوجّه الإلهي للإيجاد بقول : «كن» ونحوه (٣) نسبة ، والتجلّي المتعيّن من الغيب الذاتي المطلق والمخصّص بنسبة الإرادة ومتعلّقها من حيث تعيّنه نسبة ، والاشتراك الوجودي نسبة ، وكذا العلمي.
فصحّت المناسبة بما ذكرنا الآن وبما أسلفنا وغير ذلك ممّا سكتنا عنه احترازا عن
__________________
(١) ب : الأربعة.
(٢) ق : العلم.
(٣) ه : نحوها.