وتذكّر قول العلماء : اللذّة والنعيم عبارة عن إدراك الملائم من حيث هو ملائم ، فحيث لا إدراك لا نعيم ولا نعمة إذا ؛ فإنّ المال والجاه والمطعم الشهيّ ، (١) والمنظر البهيّ وغير ذلك إنّما يعدّ نعمة ويتنعّم به من حيث إدراك ما في كلّ واحد منها من أحكام الكمال بالنسبة إلى المدرك.
فحصول اللذّة والتنعّم وتفاوته هو بحسب ذلك القرب الكمالي وصحّة الإدراك ، فبمقدار قوّة إدراك الكمال من حيث أحكامه المناسبة للمدرك تقع اللذّة ويصدق اسم النعمة على ذلك الأمر عند المدرك.
ومن تحقّق بالكمال حتى صار منبعا لأحكامه ، صار هو ينبوع النعم ، وسببا لنعيم المتنعّمين من كونه عين النعم (٢) ونفس اللذّة ؛ لأنّه أصل كلّ شيء ، فيظهر بحكمه متى شاء فيما أراد من الصفات والأحوال التي هو جامعها بالذات.
وأمّا هو فيلتذّ بكلّ ما يلتذّ به الملتذّون ، مع اختصاصه بأمر لا يشارك فيه وهو تنعّمه باستجلائه حسن كماله وما تشتمل (٣) عليه مرتبته من الجهة التي تلائم حاله حين الاستجلاء ، فافهم ، فهذا عزيز جدّا.
ودون صاحب هذا الحال في النعيم في الدنيا من وافقت مراداته الطبيعيّة والنفسانيّة مراد الحقّ منه وعلمه فيه ، مع ملاحظة ذلك في كثير من الأوقات ، وإنّما قلت : في كثير من الأوقات ؛ لاستحالة دوام ذلك في كلّ حال.
ومثله أو دونه بيسير من تمكّن (٤) من الإبراز إلى الحسّ بكل (٥) ما تنشئه (٦) إرادته في ذهنه ، وهذا التمكّن شرط في الكمال لا الظهور به ، وإنّما جعلت هذه الرتبة بعد الرتبة الأولى ؛ لأنّ صاحب هذا التمكّن لا بدّ وأن يكون متعوبا (٧) من جهات أخرى ، هي من لوازم هذا التمكّن دون انفكاك ، فاعلم ذلك.
وأكثر الناس تألّما في الدنيا من كثرت فيه الأمانيّ الشهيّة التي لم يقدّر الحقّ ظهورها في
__________________
(١) الشهيء.
(٢) ه : النعيم.
(٣) ه : يشتمل.
(٤) ق : مكن.
(٥) ق ، ه : كل.
(٦) ه : تشنئه.
(٧) ق : منعوتا.