لكنّ العلم ـ من حيث هو علم ـ مجرّد مطلق عن قيد إضافته إلى شيء لا حكم له ، ومن حيث إضافته ـ مطلق الإضافة ـ له أحكام شتّى تنحصر في حكمين :
أحدهما : هو من حيث إضافته إلى الحقّ ، وله أوصاف كثيرة ، كالقدم والحيطة وغيرهما.
والثاني : من حيث إضافته إلى الممكنات ، فالنعمة الكلّيّة المختصّة بالممكنات من جهة علم الحقّ هي مطلق اختياره سبحانه لعبده ما فيه الخير ، والخيرة له في كلّ حال يتلبّس به ، أو مقام يحلّه أو يمرّ عليه ، أو نشأة تظهر بها نفسه وموطن يتعيّن فيه النشأة ، وزمان يحويه من حيث تقيّده به ودخوله في دائرته ، ومكان يستقرّ فيه من حيث ما هو متحيّر ، وأوّل كلّ ذلك ومبدؤه هو من حال تعلّق الإرادة الإلهيّة بإظهار تخصيصه الثابت أزلا في علم الحقّ ، ثم اتّصال حكم القدرة به لإبرازه في التطوّرات الوجوديّة ، وإمراره على المراتب الإلهيّة والكونيّة ، وله في كلّ عالم وحضرة يمرّ عليه صورة تناسبه من حيث ذلك العالم والحضرة ، وحال تخصّه بحسب ما ذكرنا أيضا ، ووديعة يأخذها هي من جملة النعم.
وحظّه من النعم الذاتيّة والأسمائيّة يتفاوت بحسب استعداده وحظّه من نعمة حسن الخلق والتسوية والتعديل والتهمّم به بموجب المحبّة الذاتيّة التي لا سبب لها أيضا حال التصوير.
فكم [فرق] بين من باشر الحقّ تسويته وتعديله ، وجمع له بين يديه المقدّستين ، ثم نفخ بنفسه فيه من روحه نفخا استلزم معرفته (١) الأسماء كلّها وسجود الملائكة له أجمعين ، وإجلاسه على مرتبة النيابة عنه في الكون ، وبين من خلقه بيده الواحدة أو بواسطة ما شاء ، ولم يقبل من حكمي التسوية والتعديل ما قبله من اختير للنيابة.
وكون الملك هو الذي ينفخ فيه الروح بالإذن ـ كما ورد في الشريعة عنه صلىاللهعليهوآله أنّه قال : «يجمع خلق أحدكم في بطن أمّه أربعين يوما نطفة ، ثم أربعين يوما علقة ، ثم أربعين يوما مضغة ، ثم يؤمر الملك ، فينفخ فيه الروح ويقول : يا ربّ أذكر أم أنثى؟ أشقيّ أم سعيد؟ ما رزقه؟ ما أجله؟ ما عمله» (٢)؟ فالحقّ يملي والملك يكتب أو كما قال صلىاللهعليهوآله : «فأين هذا من قوله : (فَإِذا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ ساجِدِينَ)» (٣)؟ شتّان بينهما ؛ هنا أضاف
__________________
(١) ق ، ه : معرفة.
(٢) جامع المسانيد ، ج ٢٧ ، ص ١٠٥.
(٣) الحجر (١٥) الآية ٢٩.