القلمي ، وتقدّم القلم على اللوح ، وتقدّم الكلمة والحكم والأمر العرشي الوحدانيّ الوصف ، على الأمر التفصيلي الأوّل الصوري الظاهر بحكم القدمين في الكرسي.
ثم انظر انتهاء الأمر بالترتيب ـ المعلوم في العموم ، والمدرك في الخصوص ـ إلى آدم الذي هو آخر صورة السلسلة وأوّل معناها ، واجتماع الذرّيّة واندماجها في صورة وحدته كالذرّ (خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْها زَوْجَها وَبَثَّ مِنْهُما رِجالاً كَثِيراً وَنِساءً) (١) فبرزوا بعد الكمون والاندماج في الغيب الإضافي الآدمي الجملي ، بإبانة الحقّ سبحانه لهم وبثّه إيّاهم ، حتى شهد كلّ منهم من نفسه وغيره ما كان عنه (٢) الاندماج محجوبا ، واتّصلت أحكام بعضهم بالبعض بالإبرام والنقض غالبا ومغلوبا ، فافهم وأمعن التأمّل فيما لوّحت به ، تعرف أنّ الهدى في الحقيقة عين الإبانة والإظهار بالتمييز والتعيين.
فللوحدة والإجمال وما نعت آنفا بالتقدّم : البطون ، وللكثرة : الظهور والإبانة والفصل والإفصاح ، ولمّا قدّر الإنسان على الصورة ، وظهر نسخة وظلّا ، جاءت نسخته على صورة الأصول التابعة لأصله ، لا جرم كانت ضلالته متقدّمة على هدايته كما أخبر سبحانه عن أكمل النسخ وأتمّ الناس تحقّقا وظهورا بالكمال الإلهي والإنساني ، بقوله : (وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدى) (٣) أي كنت بحال من لم يتعيّن له وجه الصواب والأولويّة في ما ذا ، فعيّنه لك وميّزه (٤) وعلّمك ما لم تكن تعلم فكملت في مرتبة الهداية وغيرها ، وامتلأت حتى فضت ، فهديت وكمّلت ، وانبسط منك الفيض على غيرك ، فتعدّى بك خيري إلى الكون ، وبي خيرك ، فسبحان الذي خلق الإنسان وهداه النجدين ، ثم اختار له الصراط السويّ الاعتدالي ، وعلّمه ما لم يكن يعلم وكان فضل الله عليه عظيما.
فالجواذب ـ يا أخي ـ من كلّ ناحية وطرف تجذب ، والدعاة بلسان المحبّة ـ من حيث إنّ الإنسان معشوق الكل ، و (٥) حيث حكم الربوبيّة الذي انصبغ به الجميع ـ يدعون ، والدواعي بحسب الجواذب والمناسبات للإجابة والانجذاب تنبعث ، وأنت عبد ما أحببت
__________________
(١) النساء (٤) الآية ١.
(٢) كذا في الأصل. والصحيح : عند.
(٣) الضحى (٩٣) الآية ٧.
(٤) ه : ميّزه من غيره.
(٥) ق : ومن حيث.