أدنى مكوّناته كهو مع أشرفها وأعلاها بمعيّة ذاتيّة قدسيّة لائقة. وحكم مطلق خطابه أيضا كذلك ، هو المخاطب موسى ومن شاء ، وشرّفهم بخطابه وبما شاء ، والمخاطب أهل النار ب (اخْسَؤُا فِيها وَلا تُكَلِّمُونِ) (١) وباقي الآيات ولا شرف لهم من تلك المخاطبة ، ولا فضيلة ، بل يزيدهم ذلك عذابا إلى عذابهم ، وهكذا الأمر في إحاطته ؛ فإنّه بكلّ شيء محيط رحمة وعلما ، ورحمته هنا وجوده ؛ إذ ليس ثمّ ما تشترك فيه الأشياء على ما بيّنها من التفاوت والاختلاف إلّا الوجود ، كما بيّن من قبل.
فهو سبحانه من حيث الإحاطيّة (٢) والوجوديّة (٣) والعلميّة غاية كلّ شيء ، وقد نبّهتك أنّ علمه سبحانه في حضرة أحديّة ذاته لا يغاير ذاته ، ولا يمتاز عنها ؛ إذ لا تعدّد هناك بوجه أصلا ، ومع ثبوت أنّه غاية كلّ شيء ، ومع كلّ شيء ، ومحيط بظاهر كلّ ذرّة وجزء منقسم أو غير منقسم ، وبظاهر كلّ بسيط من روح ونسبة ، ومحيط بباطن الجميع ، فإنّ الفائدة لا تعمّ ، والسعادة لا تشمل.
وإنّما تظهر الفوائد بتميّز (٤) الرتب ، واختلاف الجهات والنسب ، وتفاوت ما به يخاطبك ، وبأيّ صفة من صفاته يصحبك ، وإلى أيّ مقام من حضراته العلى يدعوك ويجذبك ، وفي أيّ صورة من صور شؤونه ولأيّ أمر من أموره ينشئك ويركّبك ، وفي أيّ حال ومقام يقيمك (٥) ويثبتك ، ومن أيّها ينقلك ويقلّبك ، ففي ذلك فليتنافس المتنافسون.
أليس قد عرّفتك أنّ كلّ اسم من أسمائه سبحانه وإن توقّف تعيّنه على عين من أعيان الموجودات ، فإنّه غاية ذلك الموجود ، ومرتبة ذلك الاسم قبلته ، والاسم هو المعبود.
والأسماء وإن جمعها فلك واحد فهي من حيث الحقائق مختلفة ، من حيث إنّ كلّ اسم من وجه عين المسمّى ، والمسمّى واحد يقال : إنّها متّحدة وإلّا فأين الضارّ من النافع ، والمعطي من المانع؟ وأين المنتقم من الغافر ، والمنعم اللطيف من القاهر؟ وأين الرحمة والغضب ، والغلبة والسبق وما يقابلها (٦) من النسب بأحديّة الجمع؟ حفظت
__________________
(١) المؤمنون (٢٣) الآية ١٠٨.
(٢) ق ، ه : الإحاطة.
(٣) ق : لا توجد.
(٤) ق ، ه : بتمييز.
(٥) ق : يقفك.
(٦) ق : يقابلهما.