عندي قوّة على تحصيل مطالبي ، لكنّي غير متيقّن (١) ولا جازم أنّها وافية بتحصيل الغرض ، فلا مندوحة عن معاونة منك لما عندي من التمكّن ؛ لأنّ المعونة منك إذا اتّحدت بما عندي من القوّة ، رجوت الفوز بالبغية (٢) ، والوفاء بحقّ العبادة ، وإنّي شاكرك على ما منحتني من القوّة ، وجدت بها عليّ ابتداء دون سؤال منّي ، وبها تمكّنت من طلب العون منك ، رجاء القيام بحقّك ، والانفراد لك دون تردّد فيك ، و (٣) تعرّض إلى غيرك. هذا لسان مرتبة العبد.
وأمّا لسان الربوبيّة المستبطنة في ذلك من كون الحقّ أنزل هذا على عباده ، وأمرهم بعبادته على هذا الوجه ، فهو أنّه سبحانه لمّا علم أنّ القلوب وإن كانت مفطورة على معرفته والعبادة له واللجأ إليه ، فإنّ الشواغل والغفلات التي هي من خصائص هذه النشأة تذهل الإنسان في بعض الأوقات عن تذكّر ما يجب تذكّره واستحضاره ، فاحتاج إلى التذكير وتعيين ما الأولى له الدؤوب عليه ؛ لأنّ ما لا يتعيّن لا يثمر ولا يؤثّر ، لا جرم أمره تعالى أن يقول بعد تقديم الثناء عليه : (إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ) تذكيرا له أنّ الذي تجده من العلم والقوّة وغيرهما ، لا تظنّنّ أنّك فيه مستقلّ ، أو لك بشيء من الكمالات اختصاص ، بل ذلك كلّه منّي ولي ، كما قال الكامل المكمّل صلىاللهعليهوآله : «إنّما نحن به وله» ، فالمرتبة الربانيّة تعرّف العبد بتعذّر الاستقلال في الطرفين ، وهذا من غاية العدل حيث ينبّهك الحقّ ذو الجود والفضل والإحسان والنعم التي لا تحصى ، على ما لك من المدخل في تكميل صورة إحسانه ، ويعتدّ لك بذلك ، ويعتبره ولا يهمله ؛ كما قال سبحانه معرّفا منبّها : (إِنَّ اللهَ لا يَظْلِمُ مِثْقالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضاعِفْها) (٤) وهذا من التضعيف ، ثم قال (وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْراً عَظِيماً) (٥) ، فافهم ، ترشد ، ـ إن شاء الله تعالى ـ
__________________
(١) ق : مستغن.
(٢) ق : بالغيبة.
(٣) ق ، ه : أو.
(٤) النساء (٤) الآية ٤٠.
(٥) النساء (٤) الآية ٤٠.