«لكلّ واحدة منكما ملؤها».
والرحمة الأخرى هي
الرحمة الفائضة عن الرحمة الذاتية ، والمنفصلة عنها بالقيود التي من جملتها
الكتابة المشار إليها بقوله تعالى : (كَتَبَ رَبُّكُمْ
عَلى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ) فهي مقيّدة موجبة بشروط من أعمال وأحوال وغيرهما. ومتعلّق
طمع إبليس الرحمة الامتنانيّة التي لا تتوقّف على شرط ولا قيد حكمي ولا زماني ،
فالحكمي قيد القضاء والقدر اللذين أوّل مظاهرهما من الموجودات القلم الأعلى واللوح
المحفوظ. والزمانيّ إلى يوم الدين وإلى يوم القيامة ، وخالدين فيها ما دامت السماوات
والأرض.
فرحمتا البسملة
للتعميم والتخصيص ، ورحمتا الفاتحة لما ذكرنا من الرحمة الذاتيّة الامتنانيّة
والتقييديّة الشرطيّة.
ومن هذا المقام (مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ) ؛ فإنّ المجازاة ذاتيّة وغير ذاتيّة ، فالوقت لغير
الذاتيّة. والذاتيّة لا وقت لها ؛ لإطلاقها.
ولمّا كان للحقّ
سبحانه الأمران وفي العالم ما يقتضي قبول الحكمين ، ذكر اليوم المشتمل على الليل
والنهار اللذين هما مظهر الغيب المطلق الممحوّ آيته ، والشهادة المبصرة علاماته.
والمجازاة
الذاتيّة الواقعة بين الوجود والأعيان باعتبار القبول الأوّل والعطاء الأوّل. وقد
مرّ ذكرهما عن قريب.
والمجازاة
الصفاتيّة والفعليّة مثل قوله (أَنِ اعْبُدُونِي) (وَاشْكُرُوا لِي) في مقابلة ما أسدى إلى عباده من النعم الظاهرة والباطنة «وأنا
عند ظنّ عبدي بي ، وسيجزيهم وصفهم» والدعاء والإجابة ونحو ذلك لمرتبة
الأفعال.
وأمّا متعلّق قوله
سبحانه بلسان النبوّة عند قول العبد : (مالِكِ يَوْمِ
الدِّينِ) : «مجّدني عبدي» فهو ما يستدعيه مقام العبوديّة العامّة ،
كنسبة الرعيّة مع الملك بخلاف قوله تعالى في
__________________