إلى الآخرة لم يكن له حسنة يعطى بها خيرا ، وعيّن صلىاللهعليهوآله أيضا في باب السيّئات وعدم تأخير (١) الجزاء عليها بالعقوبة ، قطيعة الرحم ، والبغي وترك النهي عن المنكر مع التمكّن من ذلك.
والجزاء العامّ السريع في الخير تهيئة واستقامة تحصل للقوى القلبيّة والصفات الروحانيّة والطبيعيّة ، فيعقبها انكشاف بعض الحجب وذهاب بعض الموانع الحائلة بين الإنسان وبين إدراك بعض ما في إدراكه ، له خير وراحة في عاجل أو آجل ، معنويّا كان الخير أو محسوسا ، فيحظى من ذلك الخير بمقدار تهيّئه وقبوله وما كتب له منه ، دون بطء ولا تأخير بطء والجزاء العامّ السريع في باب المكروه الحرمان الذي يوجبه إمّا حجاب وارد ، أو عدم ارتفاع حجاب حاصل في المحلّ حاكم عليه ، لو لا ذلك الفعل السيّئ ، لانتهى حكمه وخلأ الإنسان منه ، أو لعدم (٢) حراسة تقي ضرر ما اجتلبه الإنسان إلى نفسه بواسطة الفعل السيّئ وتعرّض له بقبيح العمل.
فهذه الأقسام من نوع الجزاء لا تتأخّر عن الفعل ، بل تترتّب عليه عقيب صدوره من العامل.
ويشتمل هذا المقام على أسرار إلهيّة وكونيّة شريفة جدّا لا يشهدها إلّا الأكابر من أهل الحضور والشهود والمعرفة التامّة ، ويعلمون من تفاصيلها بمقدار معرفتهم التي يتبعها حضورهم.
ومن هذا المقام يشهد من يكشفه على التمام سرّ الأمر الأحدي الجمعي الإلهي ، ثم الرحماني الذي تفرّع منه حكم الإصبعين في إقامة القلب وإزاغته ، ثم حكم الإصبعين من كونهما إصبعين ، ثم اللمّتين ، والأفعال النفسانيّة الطبيعيّة المباحة ، التي لا أجر فيها ولا وزر ، إلّا إذا ظهرت من الكمّل والأفراد ومن شاء الله من المحقّقين الحاضرين مع الآمر حين المباشرة من حيث الأمر ، بمعنى أنّه لو لم يبح له مباشرة ذلك الفعل ، ما باشره ، مع ما أضاف إلى الإباحة بقوله تعالى : (كُلُوا مِنْ طَيِّباتِ ما رَزَقْناكُمْ) (٣) و (لا تُحَرِّمُوا طَيِّباتِ
__________________
(١) ق : تأخّر.
(٢) ق : عدم.
(٣) البقرة (٢) الآية ٥٧.