وكلّ فعل فلا
يتعدّى مرتبة الصفة الغالبة ، الظاهرة الحكم فيه حين تعيّنه من فاعله.
والشرط في تعدّي
الأفعال الحسنة وحكمها من الدنيا إلى الآخرة أمران هما الأصلان في باب المجازاة
ودوام صور الأفعال من حيث نتائجها ، أحدهما : التوحيد ، والآخر : الإقرار بيوم
الجزاء ، وأنّ الربّ الموجد هو المجازي ، فإن لم يكن الباعث على الفعل أمرا إلهيّا
كليّا ، أو معيّنا تابعا للأصلين وناتجا عنهما ، فإنّ الصورة المتشخّصة في العالم
العلوي ، المتكوّنة من فعل الإنسان لا تتعدّى السدرة ، ولا يظهر لها حكم إلّا
فيما دون السدرة خارج الجنّة ، في المقام الذي يستقرّ فيه فاعله آخر الأمر ، هذا
إن كان فعلا حسنا.
وإن كان سيّئا ،
فإنّه ـ لعدم صعوده وخرقه عالم العناصر ـ يعود ، فتظهر نتيجته للفاعل سريعا ،
وتضمحلّ وتفنى أو تبقى في السدرة ؛ لما يعطيه سرّ الجمع الكامن في النشء الإنساني
وما تقتضيه دار الدنيا ، الجامعة لأحكام المواطن كلّها. فإذا كان يوم الحشر ، ميّز
الله الخبيث من الطيّب ، كما أخبر : (وَيَجْعَلَ
الْخَبِيثَ بَعْضَهُ عَلى بَعْضٍ) الآية. وهذه صفة أفعال الأشقياء الذين لا يصعد لهم عمل حسن
على اختلاف مراتبهم. والسرّ في ذلك أمران :
أحدهما : أنّ
للكثرة حكم الإمكان كما بيّنّا ولا بقاء لها ولا وجود إلّا
بالتجلّي الوجودي الأحدي والحكم الجمعي ، فأيّ موجود لم يعقل استناده إلى أحديّة
المرتبة الإلهيّة ، تلاشت أحكام كثرته وآثارها ، ولم تبق ؛ لعدم الاستناد إلى
المرتبة التي بها يحفظ الحقّ ما يريد حفظه ، ولو لا انسحاب حكم ميثاق «ألست»
ونفوذه بالسرّ الأوّل ، لتلاشى هو بالكلّيّة.
والأمر الآخر فيما
ذكرنا يتضمّن أسرارا غامضة جدّا ، يجب كتمها ، فأبقيناها في خزائن غيبها
، يظهرها الحقّ لمن شاء كيف شاء.
وأمّا الموحّدون
ومن يكون فعله تابعا للأمر الإلهي الكلّي والجزئي المعيّن ، فإنّ صور أفعاله تنصبغ
ـ كما قلنا ـ بصفة علمه ، ويسري فيها روح قصده ، ويحفظها الحقّ عليه من حيث رحمته
وإحصائه بموجب حكم ربوبيّته.
__________________