للمتأمّل بهذه القواعد جمل أسرار هذه السورة ، وتشرق له شموس أنوارها المستورة ، فعلى الناظر في هذا المسطور ، الراغب في استجلاء أسراره ومعانيه أن يتدبّره حرفا حرفا ، وكلمة كلمة ، جامعا للنكت (١) المبثوثة فيه بإضافة خواتمها إلى سوابقها ، وإلحاق متوسّطات فوائدها بأوائلها وأواخرها ؛ فإذا انتظمت النشأة المعنويّة ، وتشخّصت صورة روحانيّة الكلام في المرتبة الذهنيّة نظر إليها بعين الإنصاف والاستبصار نظر أولي الأيدي والأبصار ، فحينئذ يعلم ما أودع في هذا المختصر من غرائب الأسرار والعلوم ، ولطائف الإشارات والمفهوم ، فما وجد من فائدة وخير (٢) ، فليحمد الله عليه ، وما رأى من نقص وخلل لا يجد له محملا صادقا ، أو تأويلا في زعمه موافقا ، فليسرّحه إلى بقعة الإمكان إن لم يتلقّه بالتسليم ، وليستحضر قوله تعالى : (وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ) (٣) ؛ فإنّ علم الله أعظم من أن ينحصر (٤) في ميزان معيّن ، أو ينضبط بقانون مقنّن.
هذا مع أنّ البشريّة محلّ النقائص ، فما كان من عيب فمنها ومن المشاهد لا من المشهود والوارد ، وفي قول العارف الإمام : «لون الماء لون إنائه» شفاء تامّ ، والله وليّ الإرشاد والتوفيق ، لأحمد نهج وطريق.
__________________
(١) ه : لنكت.
(٢) ب : وجيزة.
(٣) يوسف (١٢) الآية ٧٦.
(٤) ق : يحصر.