قد جعل كلّ فرد من أفراد العالم علامة ودليلا على أمر خاصّ مثله ، فمن حيث وجوده المتعيّن هو علامة على نسبة من نسب الألوهيّة المسمّاة اسما الذي (١) هذا الشيء الدالّ مظهر له ، ومن حيث عينه الثابتة فهو دليل على عين ثابتة مثله ، ومن حيث كونه عينا ثابتة متّصفة بوجود متعيّن هو علامة على مثله من الأعيان المتّصفة بالوجود.
فالأجزاء من حيث هي أجزاء علامة على أجزاء مثلها ، ومن حيث مجموعها وما يتضمّنه كلّ جزء من المعنى الكلّي هي علامة على الأمر الكلّي الجامع لها والوجود المطلق الذي يتعيّن منه وجودها.
وجعل أيضا مجموع العالم الكبير من حيث ظاهره علامة ودليلا على روحه ومعناه ، وجعل جملة صور العالم وأرواحه علامة على الألوهيّة الجامعة للأسماء والنسب ، وعلى مجموع العالم.
وجعل الإنسان الكامل بمجموعه من حيث صورته وروحه ومعناه ومرتبته علامة تامّة ودليلا دالّا عليه سبحانه وتعالى دلالة كاملة.
وكلّ ما عدا الحقّ والإنسان الكامل فليس كونه علامة على ما دلّ عليه شرطا ضروريا مطّرد الحكم ، لا يمكن معرفة ذلك الشيء بدونه ، بل ذلك بالنسبة إلى أكثر العالم والحكم الغالب ، بخلاف الحقّ والإنسان الكامل ؛ فإنّه قد يعلم بكلّ منهما كلّ شيء ، ولا يعلم أحدهما إلّا بالآخر ، أو بنفسه.
وموجب ما ذكرنا وسرّه هو أنّ الإنسان نسخة من كلّ شيء ، ففي قوّته ومرتبته أن يدلّ على كلّ شيء بما فيه من ذلك الشيء ، فقد يغني في الدلالة على كلّ شيء عن كلّ شيء.
وهكذا الأمر في الجناب الإلهي ؛ فإنّ الحقّ محيط بكلّ شيء ، فمن عرفه معرفة تامّة فقد (٢) يعرف حقيقة كلّ شيء بطريق التضمّن أو الالتزام.
والأمر في سوى الحقّ والإنسان الكامل كما بيّنّا ؛ فإنّ من عباد الله من يكون مبدأ فتحه الحقّ ، فيعرف الحقّ بالحقّ ، فإذا تحقّق بمعرفته وشهوده ، سرى حكم تلك المعرفة وذلك الشهود في مراتب وجوده ، فيعلم كلّ شيء بالحقّ ، حتى نفسه التي هي أقرب الأشياء
__________________
(١) ق : الذي هو.
(٢) ه : قد.