لا يصحّ بدون معرفة المعرّف ، إنّما ذلك فيما عدا التعريف الذاتي ؛ فالتعريف الذاتي أمر وجداني والوجدانيات والأمور الذاتيّة (١) من أوضح مراتب العلم وأجلى أقسامه ، فالشيء (٢) بهذا الاعتبار هو المثني على نفسه ، والدالّ عليه من وجهين باعتبارين ، كما أشرنا إلى ذلك في سرّ العلم ، فافهم.
وأيضا فلمّا كانت الموجودات بأسرها كلمات الله ، كان ثناؤها على الحقّ ـ كما اومأت إليه ـ هو بما (٣) استفادته منه وانطبع في مرائي أعيانها من تجلّيه ، فالمقترن بها من نور الحقّ وسرّ صفاته وأسمائه بما استفادته هو المثني فيهم ومنهم على الحقّ ، فإذن الحقّ هو المثني على نفسه من حيث مراتب خلقه وبخلقه ، لا هم.
وهكذا الشأن في الأمور كلّها غير الحمد ، فرجع الأمر كلّه إليه ، وعادت عاقبة كلّ ثناء عليه ، وكان الحمد صفته ونسبة من نسبه لا تغايره إلّا باعتبار تسميتها حمدا ، فكان الحامد من هذا الوجه وهذا الاعتبار هو الحمد والمحمود ولتتذكّر ما نبّهت عليه في حمد الحمد فهذا من سرّه.
واعلم ، أنّه قد بقيت تتمّة لطيفة من أقسام الحمد وهي ـ مع اندراجها في الأقسام والأصول المذكورة ـ تفيد مزيد إيضاح ؛ فإنّ لسان مرتبتها أقرب نسبة من المدارك ممّا تقدّم ذكره.
فإذا عرفت هذا ، فنقول : الحمد ينقسم من وجه إلى حمد المحمود نفسه ، وإلى حمد غيره له. ثم إنّ الحمد بما يحمد الشيء نفسه أو بما يحمده (٤) غيره على أنواع ثلاثة ؛ لأنّه إمّا أن يحمده بصفة فعل أو صفة تنزيه أو صفة ثبوتيّة قائمة بالمحمود يستحسنها الحامد ، فيثني على المحمود من حيث هي ، أو عليها من حيث ظهور حكمها بالمحمود وفيه ، بما بيّنه وبينها من المناسبة الثابتة ؛ بما فيه منها ، كما بيّنّا. وهذا القسم من وجه يندرج في قسم صفة الفعل ؛ فإنّ الاستحسان ونحوه لا يخلو عن نوع انفعال.
وحمد الحمد يسري ويظهر في كلّ الأقسام بذاته ولو لم يكن لما صحّ حمد ؛ لما عرفت
__________________
(١) ب : الثابتة.
(٢) ق : فالمثني.
(٣) ق : ما.
(٤) ق : يحمد.