لها في الحكم والمرتبة.
وقد أشرت إلى بعض أحكامها عند الكلام على سرّ الإعراب والنقط ، وو تمّت بها المراتب العددية أيضا التي هي الآحاد المنتهية في التسعة ، ثم العشرات ، ثم المئون ، ثم الألوف.
فلمّا تعيّنت مراتب الأسماء في الحضرة الجامعة لها بأحكامها ، وتوجّهت لإظهار مظاهرها وما به يتمّ كمالها ويدوم ، أعقب ذلك ظهور صورة الوجود ب «الرّحمن» المضاف إليها الوجود الشامل العامّ ، كما سبق التنبيه عليه.
وجاء بصيغة المبالغة ؛ لعدم توقّف شموله على شرط علمي أو سعي (١) تعمّلي ، أو نحوهما ، بخلاف غيره من الأسماء. وظهر مثاله ومظهره ومستواه ـ الذي هو العرش المحيط وأوّل الصور الظاهرة ـ مناسبا للمستوي عليه في الشمول والإحاطة وعدم التحيّز تنبيها على أنّ مظهر الاسم «الرّحمن» ـ مع كونه صورة مجسّدة مركّبة من جوهر وعرض ، أو هيولى وصورة على اختلاف المذهبين ـ ليس له مكان ، فلأن يكون المستوي ـ الذي جعله مكانا لما أحاط به ـ غنيّا عن المكان ، وأجلّ من أن يحصره مكان بطريق أولى ، فحصل الاستواء على المقام الوجودي بالرحمة التي هي الوجود. وعلى مظهره الذي هو العرش بالاسم «الرّحمن» ، فلم يظهر فيه تقسيم ولا تخصيص ولا اختلاف.
ثم ميزت القبضتان ـ الظاهرتان بحكم النسبتين المعبّر عنهما بالرحمة والغضب ، المنبّه عليهما من قبل ـ إن (٢) انسحب عليه حكم الرحمة ، بحسب سرعة إجابة بعض الحقائق الكونيّة للنداء الإلهي الحامل للأمر التكويني وقبول ذلك التجلّي على وجه لا ينضاف إليه ما يشين جماله ، وبحسب تثبّط (٣) بعض الحقائق أيضا عن هذه (٤) الإجابة على هذا الوجه المذكور ، وإلباسها ذلك التجلّي بسوء قبولها له أحكاما وصفات لا يرتضيها جماله ، وإن وسعها كماله ، إلى سعيد معتنى به ، وإلى شقيّ غير معتنى به في أيّ مرتبة كانت غايته.
فظهر سرّ هذا التفصيل العلمي الغيبي المذكور في مقام الكرسي ، المختص بالاسم «الرحيم».
__________________
(١) في بعض النسخ : وسعي.
(٢) في بعض النسخ : من قبل ما انسحب.
(٣) التثبّط : التريّث والإبطاء.
(٤) ب : الرحمة.