وبيانه أنّ مبدأ
التوجّه الإلهي للإيجاد صدر من ينبوع الوحدة بأحدية الجمع ، وتعلّق بكمال الجلاء
والاستجلاء المعبّر عن حكمه تارة بالعبادة ، وتارة بالمعرفة ، وهو قوله تعالى : (وَما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ) الآية. بالتفسيرين ، والظاهر بهذا التوجّه من غيب الحقّ هو
الوجود المنبسط على الأعيان لا غير.
ولمّا كان العالم
بما فيه ظلّا لحضرة الحقّ ومظهرا لعلمه ، سرى الحكم واطّرد فيما هو تابع للعلم
وفرع عليه ، فاعلم ذلك ، وإذا تقرّر هذا فلنعد إلى ما كنّا فيه من بيان سرّ بدء
الأمر لنستوفيه.
فنقول : فانسحب حكم التوجّه الإلهي الأحدي لإيجاد عالم التدوين والتسطير
على الأعيان الثابتة بعد ظهور الأرواح المهيّمة التي مرّ حديثها منصبغا بحكم كلّ ما حواه الغيب ممّا تعيّن
به ، وامتاز عنه من وجه ، فكان توجّها جمعيّا وحدانيّ الصفة :
فأمّا جمعيّته
فلما حواه الغيب ممّا أحاط به العلم وتعلّق بإبرازه. وأمّا أحديّته فلأنّ الإرادة
وحدانيّة ، ومتعلّقها من كلّ مريد في الحال الواحد لا يكون إلّا أمرا واحدا ،
والمريد الحقّ سبحانه واحد ، فإرادته واحدة لا محالة ، ومتعلّقها لا يكون في كلّ شأن
إلّا أمرا واحدا هو غاية ذلك التوجّه الإرادي ونتيجته ، ومنزل التوجّه الإلهي ،
ومحلّ نفوذ اقتداره ليس إلّا أمرا واحدا وأنّه العماء وقد مرّ حديثه ، فأنتج
التوجّه الإلهي المذكور ـ كما قلنا في مقام عالم التدوين والتسطير ـ نتيجة وجوديّة
متوحّدة حاملة كثرة غيبيّة نسبيّة ، فسمّاها الحقّ قلما وعقلا.
فعقلا من حيث
الوجه الذي يلي ربّه ، ويقبل به ما يهبه ويمدّه ، ومن حيث إنّه أوّل موجود متعيّن
عقل نفسه ، ومن تميّز عنه ، وما تميّز به عن غيره بخلاف من تقدّمه بالمرتبة وهم
المهيّمون.
وقلما من حيث
الوجه الذي يلي الكون ، فيؤثّر ويمدّ ، ومن حيث إنّه حامل للكثرة
__________________