الوجودي الذاتي المطلق الذي لا يتوقّف ثبوته له على أمر خارجي ؛ إذ ما ثمّ ما يخرج عنه ، وبهذا (١) صحّ الغنى (٢) المشار إليه ، وليس هذا النظر عن حجاب متقدّم ، ولا أمر خارج متجدّد لم يكن حاصلا من قبل (٣) ـ تعالى الحقّ عمّا لا يليق به ـ فلا تجدّد هناك ، ولا قبليّة ولا بعديّة إلّا بالنسبة ، ولكن لسان علم (٤) المشاهد في عالمنا الآن ـ بعد معرفة الأمور وما بينها من التفاوت في الحكم والنعت ، والتقدّم والتأخّر ، وإدراكه لها في الحضرة العلميّة النوريّة الغيبيّة ـ يعرب عن أسرار الحقائق على مقدار ما تحتمله العبارة ، ويقتضيه حال المخاطب والمخاطب حين الخطاب ، ومراتبهما ومواطنهما ؛ إذ لكلّ ممّا ذكرنا فيما نروم بيانه حكم يوجب أثرا في الأمر (٥) المعبّر عنه يخرجه عمّا كان عليه من النزاهة ، والإطلاق السابق للتقيّد (٦) اللاحق له والعارض بسبب الموادّ والكيفيّات المختلفة حسب ما تقتضيه أدوات التوصيل (٧) والقيود المذكورة ، كما اومأت إلى ذلك في سرّ الكلام من قبل.
وبالجملة ، فقوى نشأة الإنسان تضعف عن ضبط كلّ ما تدركه نفس العارف حال المشاهدة والتجريد ، وعن كمال محاكاته والتعبير عنه ، وإبرازه على نحو ما تعلّق به الشهود ، ولذلك لا يستحضر حال الرجوع إلى عالم الشهادة إلّا كلّيات ما شاهده ، وبعض الجزئيّات لا كلّها ؛ لعدم مساعدة القوى الطبيعيّة ، وقصورها عن مدى مدرك البصيرة ، وضيق فلكها بالنسبة إلى فسيح مسرح النفس ، وسعة دائرة مرتبتها في حضرة القدس.
وحال العارف فيما ذكرنا كحال الكاتب المجيد ذي الارتعاش في كونه يعرف الكتابة معرفة تامّة في نفسه (٨) ، ولا يقدر على إظهارها على نحو ما يعلمها ؛ لعدم مساعدة الآلة له على ما يريد ، فمن (٩) لا يعرف مراتب الوسائط والآلات ، وحكمها ، وقصورها بالنسبة إلى ما في نفس مستعملها ينسب القصور إلى المستعمل وليس كذلك ، وإنّما العيب من الآلة وقصور استعدادها الجزئي المجعول الوجودي أو الغيبي الكلّي الخارج عن دائرة الوجود
__________________
(١) ب : لهذا.
(٢) ب : المعنى.
(٣) ق : قبل للحقّ.
(٤) ق : عالم.
(٥) في بعض النسخ : الأمور.
(٦) ه : للتقييد.
(٧) ق : التفصيل.
(٨) ب : نفسها.
(٩) ق : ومن ، ب : ممّن.