للحساب ، أي يذهب أفرادها للحساب ولو قيل : وترى كل أمة جاثية تدعى إلى كتابها لأوهم أن الجثو والدعاء إلى الكتاب يحصلان معا مع ما في إعادة الخبر مرة ثانية من التهويل.
وجملة (الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) بدل اشتمال من جملة (تُدْعى إِلى كِتابِهَا) بتقدير قول محذوف ، أي يقال لهم اليوم تجزون ، أي يكون جزاؤكم على وفق أعمالكم وجريها على وفق ما يوافق كتاب دينكم من أفعالكم في الحسنات والسيئات ، وهذا البدل وقع اعتراضا بين جملة (وَتَرى كُلَّ أُمَّةٍ جاثِيَةً) وجملة (فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ) [الجاثية : ٣٠] الآيات.
وجملة (هذا كِتابُنا يَنْطِقُ عَلَيْكُمْ بِالْحَقِ) من مقول القول المقدّر ، وهي مستأنفة استئنافا بيانيا لتوقع سؤال من يقول منهم : ما هو طريق ثبوت أعمالها. والإشارة إما إلى كتاب شريعة الأمة المدعوة ، وإما إلى كتب أفرادها على تأويل الكتاب بالجنس على الوجهتين المتقدمين.
وإفراد ضمير (يَنْطِقُ) على هذا الوجه مراعاة للفظ (كِتابُنا) ، فالمعنى هذه كتبنا تنطق عليكم بالحق.
وإضافة (كتاب) إلى ضمير الله تعالى بعد أن أضيف إلى (كُلَّ أُمَّةٍ) لاختلاف الملابسة ، فالكتاب يلابس الأمة لأنّه جعل لإحصاء أعمالهم أو لأن ما كلفوا به مثبت فيه ، وإضافته إلى ضمير الله لأنه الآمر به. وإسناد النطق إلى الكتاب مجاز عقلي وإنما تنطق بما في الكتاب ملائكة الحساب ، أو استعير النطق للدلالة نحو قولهم : نطقت الحال.
والمعنى : أن فيه شهادة عليهم بأن أعمالهم مخالفة لوصايا الكتاب أو بأنها مكتوبة في صحائف أعمالهم على التأويلين في المراد بالكتاب. ولتضمن (يَنْطِقُ) معنى (يشهد) عدي بحرف (على).
ولما كان المقام للتهديد اقتصر فيه على تعدية (يَنْطِقُ) بحرف (على) دون زيادة: ولكم ، إيثارا لجانب التهديد.
وجملة (إِنَّا كُنَّا نَسْتَنْسِخُ ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) استئناف بياني لأنهم إذا سمعوا (هذا كِتابُنا يَنْطِقُ عَلَيْكُمْ بِالْحَقِ) خطر ببالهم السؤال : كيف شهد عليهم الكتاب اليوم وهم قد عملوا الأعمال في الدنيا ، فأجيبوا بأن الله كان يأمر بنسخ ما يعملونه في الصحف في وقت عمله.