ولما أفاد قوله : (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ) صفات السلوب أعقب بإثبات صفة العلم لله تعالى وهي من الصفات المعنوية وذلك بوصفه ب (السَّمِيعُ الْبَصِيرُ) الدّالين على تعلّق علمه بالموجودات من المسموعات والمبصرات تنبيها على أن نفي مماثلة الأشياء لله تعالى لا يتوهّم منه أن الله منزّه عن الاتصاف بما اتصفت به المخلوقات من أوصاف الكمال المعنوية كالحياة والعلم ولكن صفات المخلوقات لا تشبه صفاته تعالى في كمالها لأنها في المخلوقات عارضة ، وهي واجبة لله تعالى في منتهى الكمال ، فكونه تعالى سميعا وبصيرا من جملة الصفات الداخلة تحت ظلال التأويل بالحمل على عموم قوله تعالى : (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ) فلم يقتضيا جارحتين. ولقد كان تعقيب قوله ذلك بهما شبيها بتعقيب المسألة بمثالها.
(لَهُ مَقالِيدُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (١٢))
خبر رابع أو خامس عن الضمير في قوله : (وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) [الشورى : ٩] وموقع هذه الجملة كموقع التي قبلها تتنزّل منزلة النتيجة لما تقدمها ، لأنّه إذا ثبت أن الله هو الوليّ وما تضمنته الجمل بعدها إلى قوله : (يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ) [الشورى : ١١] من انفراده بالخلق ، ثبت أنه المنفرد بالرّزق.
والمقاليد : جمع إقليد على غير قياس ، أو جمع مقلاد ، وهو المفتاح ، وتقدم عند قوله تعالى : (لَهُ مَقالِيدُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) في سورة الزمر [٦٣]. وتقديم المجرور لإفادة الاختصاص ، أي هي ملكه لا ملك غيره.
والمقاليد هنا استعارة بالكناية لخيرات السماوات والأرض ، شبهت الخيرات بالكنوز ، وأثبت لها ما هو من مرادفات المشبّه به وهو المفاتيح ، والمعنى : أنه وحده المتصرف بما ينفع النّاس من الخيرات. وأما ما يتراءى من تصرف بعض الناس في الخيرات الأرضية بالإعطاء والحرمان والتقتير والتبذير فلا اعتداد به لقلة جدواه بالنسبة لتصرف الله تعالى.
وجملة (يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ وَيَقْدِرُ) مبينة لمضمون جملة (لَهُ مَقالِيدُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ). وبسط الرزق : توسعته ، وقدره : كناية عن قلّته ، وتقدم عند قوله : (اللهُ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ وَيَقْدِرُ) في سورة الرعد [٢٦].