إبراهيم قدوة لإبطال قول المشركين (وَإِنَّا عَلى آثارِهِمْ مُهْتَدُونَ) [الزخرف : ٢٢] قال تعالى : (قَدْ كانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْراهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآؤُا مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ) [الممتحنة : ٤] أي فما كان لكم أن تقتدوا بآبائكم المشركين وهلا اقتديتم بأفضل آبائكم وهو إبراهيم.
والبراء بفتح الباء مصدر بوزن الفعال مثل الظّماء والسّماع يخبر به ويوصف به في لغة أهل العالية ـ وهي ما فوق نجد إلى أرض تهامة مما وراء مكّة ـ وأما أهل نجد فيقولون بريء.
والاستثناء في قوله : (إِلَّا الَّذِي فَطَرَنِي) استثناء من (ما تعبدون) ، و (ما) موصولة أي من الذين تعبدونهم فإن قوم إبراهيم كانوا مشركين مثل مشركي العرب. وقد بسطنا ذلك فيما تقدم عند قوله : (وَإِذْ قالَ إِبْراهِيمُ لِأَبِيهِ آزَرَ أَتَتَّخِذُ أَصْناماً آلِهَةً) [الأنعام : ٧٤].
وفرع على هذا قوله : (فَإِنَّهُ سَيَهْدِينِ) لأن قوله : (إِنَّنِي بَراءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ) يتضمن معنى : إنني اهتديت إلى بطلان عبادتكم الأصنام بهدي من الله. وسين الاستقبال مؤذنة بأنه أخبرهم بأن هداية الله إياه قد تمكنت وتستمر في المستقبل ، ويفهم أنها حاصلة الآن بفحوى الخطاب.
وتوكيد الخبر ب (إنّ) منظور فيه إلى حال أبيه وقومه لأنهم ينكرون أنه الآن على هدى فهم ينكرون أنه سيكون على هدى في المستقبل.
(وَجَعَلَها كَلِمَةً باقِيَةً فِي عَقِبِهِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (٢٨))
عطف على (إِذْ قالَ إِبْراهِيمُ) [الزخرف : ٢٦] أي أعلن تلك المقالة في قومه معاصريه وجعلها كلمة باقية في عقبه ينقلونها إلى معاصريهم من الأمم. إذ أوصى بها بنيه وأن يوصوا بنيهم بها ، قال تعالى في سورة البقرة [١٣١ ـ ١٣٢] (إِذْ قالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعالَمِينَ وَوَصَّى بِها إِبْراهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يا بَنِيَّ إِنَّ اللهَ اصْطَفى لَكُمُ الدِّينَ فَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) ، فبتلك الوصية أبقى إبراهيم توحيد الله بالإلهية والعبادة في عقبه يبثونه في النّاس. ولذلك قال يوسف لصاحبيه في السجن (يا صاحِبَيِ السِّجْنِ أَأَرْبابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللهُ الْواحِدُ الْقَهَّارُ) [يوسف : ٣٩] وقال لهما (إِنِّي تَرَكْتُ مِلَّةَ قَوْمٍ لا يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ كافِرُونَ وَاتَّبَعْتُ مِلَّةَ آبائِي إِبْراهِيمَ وَإِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ ما كانَ لَنا أَنْ نُشْرِكَ بِاللهِ مِنْ شَيْءٍ) إلى قوله : (وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ) [يوسف : ٣٧ ـ ٤٠].