الآيات تحريفها على مواضعها وتحميلها غير المراد منها عمدا للاستهزاء ، كقول أبي جهل لما سمع (إِنَّ شَجَرَةَ الزَّقُّومِ طَعامُ الْأَثِيمِ) [الدخان : ٤٣ ، ٤٤] تجاهل بإظهار أن الزقوم اسم لمجموع الزبد والتمر فقال : «زقّمونا» ، وقوله : لما سمع قوله تعالى : (عَلَيْها تِسْعَةَ عَشَرَ) [المدثر : ٣٠] : أنا ألقاهم وحدي.
(أُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ مُهِينٌ مِنْ وَرائِهِمْ جَهَنَّمُ وَلا يُغْنِي عَنْهُمْ ما كَسَبُوا شَيْئاً وَلا مَا اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللهِ أَوْلِياءَ وَلَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ) (١٠).
جيء باسم الإشارة للتنبيه على أن ما ذكر من الأوصاف من قوله تعالى : (لِكُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ) إلى قوله (هُزُواً) على أن المشار إليهم أحرياء به لأجل ما قبل اسم الإشارة من الأوصاف.
وجملة (مِنْ وَرائِهِمْ) بيان لجملة (لَهُمْ عَذابٌ مُهِينٌ). وفي قوله : (مِنْ وَرائِهِمْ) تحقيق لحصول العذاب وكونه قريبا منهم وأنهم غافلون عن اقترابه كغفلة المرء عن عدوّ يتبعه من ورائه ليأخذه فإذا نظر إلى أمامه حسب نفسه آمنا. ففي الوراء استعارة تمثيلية للاقتراب والغفلة ، ومنه قوله تعالى : (وَكانَ وَراءَهُمْ مَلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْباً) [الكهف : ٧٩] ، وقول لبيد :
أليس ورائي إن تراخت منيتي |
|
لزوم العصا تحنى عليها الأصابع |
ومن فسر وراء بقدّام ، فما رعى حق الكلام.
وعطف جملة (وَلا يُغْنِي عَنْهُمْ ما كَسَبُوا شَيْئاً) على جملة (مِنْ وَرائِهِمْ جَهَنَّمُ) لأن ذلك من جملة العذاب المهين فإن فقدان الفداء وفقدان الوليّ مما يزيد العذاب شدة ويكسب المعاقب إهانة. ومعنى الإغناء في قوله : (وَلا يُغْنِي عَنْهُمْ) الكفاية والنفع ، أي لا ينفعهم.
وعدي بحرف (عن) لتضمينه معنى يدفع فكأنّه عبّر بفعلين لا يغنيهم وبالدفع عنهم ، وتقدم في قوله : (لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوالُهُمْ وَلا أَوْلادُهُمْ مِنَ اللهِ شَيْئاً) في سورة آل عمران [١٠].
و (ما كَسَبُوا) : أموالهم. و (شَيْئاً) منصوب على المفعولية المطلقة ، أي شيئا من الإغناء لأن (شَيْئاً) من أسماء الأجناس العالية فهو مفسر بما وقع قبله أو بعده ، وتنكيره للتقليل ، أي لا يدفع عنهم ولو قليلا من جهنم ، أي عذابها.