والمعنى : أن فيما سمعتهم هداية لمن أراد الله له أن يهتدي ، وأما من قدّر الله عليه بالضلال فما له من وليّ غير الله يهديه أو ينقذه ، فالمراد نفي الولي الذي يصلحه ويرشده ، كقوله : (مَنْ يَهْدِ اللهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُرْشِداً) [الكهف : ١٧] ، فالمراد هنا ابتداء معنى خاص من الولاية.
وإضلال الله المرء : خلقه غير سريع للاهتداء أو غير قابل له وحرمانه من تداركه إياه بالتوفيق كلما توغل في الضلالة ، فضلاله من خلق الله وتقدير الله له ، والله دعا الناس إلى الهداية بواسطة رسله وشرائعه قال تعالى : (وَاللهُ يَدْعُوا إِلى دارِ السَّلامِ وَيَهْدِي مَنْ يَشاءُ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ) [يونس : ٢٥] أي يدعو كل عاقل ويهدي بعض من دعاهم.
و (مَنْ) شرطية ، والفاء في (فَما لَهُ مِنْ وَلِيٍ) رابطة للجواب. ونفي الولي كناية عن نفي أسباب النجاة عن الضلالة وعواقب العقوبة عليها لأن الولي من خصائصه نفع مولاه بالإرشاد والانتشال ، فنفي الولي يدلّ بالالتزام على احتياج إلى نفعه مولاه وذلك يستلزم أن مولاه في عناء وعذاب كما دل عليه قوله عقبه (وَتَرَى الظَّالِمِينَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذابَ) الآية. فهذه كناية تلويحية ، وقد جاء صريح هذا المعنى في قوله : (وَمَنْ يُضْلِلِ اللهُ فَما لَهُ مِنْ هادٍ) في سورة الزمر [٢٣] وقوله : (وَمَنْ يُضْلِلِ اللهُ فَما لَهُ مِنْ سَبِيلٍ) الآتي في هذه السورة [٤٦].
وضمير (بَعْدِهِ) راجع إلى اسم الجلالة ، أي من بعد الله كقوله تعالى : (فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللهِ أَفَلا تَذَكَّرُونَ) في سورة الجاثية [٢٣].
ومعنى بعد هنا بمعنى (دون) أو (غير) ، استعير لفظ بعد لمعنى (دون) لأن بعد موضوع لمن يخلف غائبا في مكانه أو في عمله ، فشبه ترك الله الضالّ في ضلاله بغيبة الولي الذي يترك مولاه دون وصي ولا وكيل لمولاه وتقدم في قوله تعالى : (فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ) في سورة الأعراف [١٨٥] وقوله : (فَما ذا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلالُ) في سورة يونس [٣٢].
و (مَنْ) زائدة للتوكيد. ومن مواضع زيادتها أن تزاد قبل الظروف غير المتصرفة قال الحريري «وما منصوب على الظرف لا يخفضه سوى حرف».
(وَتَرَى الظَّالِمِينَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذابَ يَقُولُونَ هَلْ إِلى مَرَدٍّ مِنْ سَبِيلٍ) (٤٤).
عطف على جملة (وَمَنْ يُضْلِلِ اللهُ فَما لَهُ مِنْ وَلِيٍّ مِنْ بَعْدِهِ) ، وهذا تفصيل وبيان لما أجمل في الآيتين المعطوف عليهما وهما قوله : (وَيَعْلَمَ الَّذِينَ يُجادِلُونَ فِي آياتِنا ما