وجمع العباد المضاف إلى اسم الجلالة أو ضميره غلب إطلاقه في القرآن في معرض التقريب وترفيع الشّأن ، ولذلك يكون موقع (الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ) هنا موقع عطف البيان على نحو قوله تعالى : (أَلا إِنَّ أَوْلِياءَ اللهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا وَكانُوا يَتَّقُونَ) [يونس : ٦٢ ، ٦٣] إذ وقع (الَّذِينَ آمَنُوا) موقع عطف البيان من (أَوْلِياءَ اللهِ).
(قُلْ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى).
استئناف ابتدائي بمناسبة ذكر ما أعد للمشركين من عذاب وما أعد للمؤمنين من خير ، وضمير جماعة المخاطبين مراد به المشركون لا محالة وليس في الكلام السابق ما يتوهم منه أن يكون (قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ) جوابا عنه ، فتعين أن جملة (قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً) كلام مستأنف استئنافا ابتدائيا.
ويظهر مما رواه الواحدي في «أسباب النزول» عن قتادة : أن المشركين اجتمعوا في مجمع لهم فقال بعضهم لبعض : أترون محمدا يسأل على ما يتعاطاه أجرا. فنزلت هذه الآية ، يعنون : إن كان ذلك جمعنا له مالا كما قالوه له غير مرة ، أنها لا اتصال لها بما قبلها وأنها لما عرض سبب نزولها نزلت في أثناء نزول الآيات التي قبلها والتي بعدها فتكون جملة ابتدائية. وكان موقعها هنا لمناسبة ما سبق من ذكر حجاج المشركين وعنادهم فإن مناسبتها لما معها من الآيات موجودة إذ هي من جملة ما واجه به القرآن محاجّة المشركين ، ونفى به أوهامهم ، واستفتح بصائرهم إلى النظر في علامات صدق الرسول ؛ فهي جملة ابتدائية وقعت معترضة بين جملة (الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ) وجملة (وَمَنْ يَقْتَرِفْ حَسَنَةً).
وابتدئت ب (قُلْ) إما لأنها جواب عن كلام صدر منهم ، وإمّا لأنها مما يهتم بإبلاغه إليهم كما أن نظائرها افتتحت بمثل ذلك مثل قوله تعالى : (قُلْ ما سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ فَهُوَ لَكُمْ) [سبأ : ٤٧] وقوله : (قُلْ ما أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَما أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ) [ص : ٨٦] وقوله : (قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً)(١) [الأنعام : ٩٠].
__________________
(١) في المطبوعة (قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً ، إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى اللهِ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ) وهذا خلط بين آية الأنعام وآية يونس [٧٢] وآية الأنعام ابتدئت بقل ـ وهي موضع الشاهد ـ وآية يونس ابتدئت بما النافية ، لذا حذفنا من المطبوعة من عند إِنْ أَجْرِيَ لعدم الحاجة إلى ذلك.