يقال : سرى وأسرى. وقد تقدم عند قوله تعالى : (سُبْحانَ الَّذِي أَسْرى بِعَبْدِهِ) [الإسراء : ١] فتقييده بزمان الليل هنا نظير تقييده في سورة الإسراء ، والمقصود منه تأكيد معنى الإسراء بأنه حقيقة وليس مستعملا مجازا في التبكير بناء على أن المتعارف في الرحيل أن يكون فجرا.
وفائدة التأكيد أن يكون له من سعة الوقت ما يبلغون به إلى شاطئ البحر الأحمر قبل أن يدركهم فرعون بجنوده.
وجملة (إِنَّكُمْ مُتَّبَعُونَ) تقيد تعليلا للأمر بالإسراء ليلا لأنه مما يستغرب ، أي أنكم متّبعون فأردنا أن تقطعوا مسافة يتعذّر على فرعون لحاقكم. وتأكيد الخبر ب (إنّ) لتنزيل غير السائل منزلة السائل إذا قدّم إليه ما يلوّح له بالخبر فيستشرف له استشراف المتردد السائل ، على حد قوله تعالى : (وَلا تُخاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا إِنَّهُمْ مُغْرَقُونَ) [هود : ٣٧].
وأسند الاتباع إلى غير مذكور لأنه من المعلوم أن الذي سيتبعهم هو فرعون وجنوده.
(وَاتْرُكِ الْبَحْرَ رَهْواً إِنَّهُمْ جُنْدٌ مُغْرَقُونَ (٢٤))
عطف على جملة (فَأَسْرِ بِعِبادِي لَيْلاً) [الدخان : ٢٣] فيجوز أن تكون الجملتان صدرتا متصلتين بأن أعلم الله موسى حين أمره بالإسراء بأنه يضرب البحر بعصاه فينفلق عن قعره اليابس حتى يمر منه بنو إسرائيل كما ورد في آيات أخرى مثل آية سورة الشعراء. ولما أمره بذلك طمّنه بأن لا يخشى بقاءه منفلقا فيتوقع أن يلحق به فرعون بل يجتاز البحر ويتركه فإنه سيطغى على فرعون وجنده فيغرقون ، ففي الكلام إيجاز تقديره : فإذا سريت بعبادي فسنفتح لكم البحر فتسلكونه فإذا سلكته فلا تخش أن يلحقكم فرعون وجنده واتركه فإنهم مغرقون فيه. ويجوز أن تكون الجملة الثانية صدرت وقت دخول موسى ومن معه في طرائق البحر فيقدّر قول محذوف ، أي وقلنا له : اترك البحر رهوا ، أي سيدخله فرعون وجنده ولا يخرجون منه لأن في بقائه مفروقا حكمة أخرى وهي دخول فرعون وجنده في طرائقه طمعا منهم أن يلحقوا موسى وقومه ، حتى إذا توسطوه انضمّ عليهم ، فتحصل فائدة إنجاء بني إسرائيل وفائدة إهلاك عدوّهم ، فتكون الواو عاطفة قولا محذوفا على القول المحذوف قبله.
وعلى الوجهين فالترك مستعمل مجازا في عدم المبالاة بالشيء كما يقال : دعه يفعل كذا ، وذره ، كقوله تعالى : (ثُمَّ ذَرْهُمْ فِي خَوْضِهِمْ يَلْعَبُونَ) [الأنعام : ٩١] ، وقالت كبشة بنت