٦٣] وقوله : (إِنَّ رَحْمَتَ اللهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ) وقد تقدم في سورة الأعراف [٥٦].
(يَسْتَعْجِلُ بِهَا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِها وَالَّذِينَ آمَنُوا مُشْفِقُونَ مِنْها وَيَعْلَمُونَ أَنَّهَا الْحَقُّ أَلا إِنَّ الَّذِينَ يُمارُونَ فِي السَّاعَةِ لَفِي ضَلالٍ بَعِيدٍ (١٨))
(يَسْتَعْجِلُ بِهَا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِها وَالَّذِينَ آمَنُوا مُشْفِقُونَ مِنْها وَيَعْلَمُونَ أَنَّهَا الْحَقُ.
يجوز أن تكون جملة (يَسْتَعْجِلُ بِهَا) إلى آخرها حالا من (السَّاعَةَ) [الشورى: ١٧].
ويجوز أن تكون بيانا لجملة (وَما يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ قَرِيبٌ) [الشورى : ١٧] لما تضمنته من التنبيه والتهيئة بالنسبة إلى فريقي المؤمنين بالسّاعة ، والذين لا يؤمنون بها ، فذكر فيها حال كلا الفريقين تجاه ذلك التنبيه. فأما المشركون فيتلقونه بالاستهزاء والتصميم على الجحد بها ، وهو المراد بقوله : (يَسْتَعْجِلُ بِهَا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِها) ، والذين آمنوا بها يعملون لما به الفوز عندها ، ولذلك جيء عقبها بجملة (أَلا إِنَّ الَّذِينَ يُمارُونَ فِي السَّاعَةِ لَفِي ضَلالٍ بَعِيدٍ) كما سيأتي.
والاستعجال : طلب التعجيل ، وتقدم في قوله تعالى : (اسْتِعْجالَهُمْ بِالْخَيْرِ) في سورة يونس [١١] ، أي يطلب الذين لا يؤمنون بالسّاعة من النبي صلىاللهعليهوسلم أن يعجّل الله بحلول السّاعة ليبين صدقه ، تهكما واستهزاء وكناية عن اتخاذهم تأخرها دليلا على عدم وقوعها ، وهم آيسون منها كما دلّ عليه قوله في مقابله (وَالَّذِينَ آمَنُوا مُشْفِقُونَ مِنْها). وقد تكرر منهم هذا المعنى بأساليب ذكرت في تضاعيف آي القرآن كقوله : (وَيَقُولُونَ مَتى هذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) [سبأ : ٢٩] (وَقالُوا رَبَّنا عَجِّلْ لَنا قِطَّنا قَبْلَ يَوْمِ الْحِسابِ) [ص : ١٦].
والإشفاق : رجاء وقوع ما يكره ، أي مشفقون من أهوالها ، وتقدم في قوله : (وَهُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ) [الأنبياء : ٢٨]. وإنما جعل الإشفاق من ذات الساعة لإفادة تعظيم أهوالها حتى كأن أحوالها هي ذاتها ، على طريقة إسناد الحكم ونحوه إلى الأعيان نحو (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ) [المائدة : ٣] ، فهم يتوخون النجاة منها بالطاعة والتقوى ، أي فهم لا يستعجلون بها وإنما يغتنمون بقاءهم في الدّنيا للعمل الصالح والتوبة.
والمراد ب (الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ) : المشركون ، وعبر عنهم بالموصول لأن الصلة تدلّ على علة استعجالهم بها ، والمراد بالذين آمنوا : المسلمون فإن هذا لقب لهم ، ففي الكلام احتباك ، تقديره : يستعجل بها الذين لا يؤمنون بها فلا يشفقون منها والذين آمنوا مشفقون منها فلا يستعجلون بها.