الجزاء إن شاء.
وقد تصيب الصالحين نكبات ومصائب وآلام فتكون بلوى وزيادة في الأجر ولما لا يعلمه إلا الله ، وقد تصيب المسرفين خيرات ونعم إمهالا واستدراجا ولأسباب غير ذلك مما لا يحصيه إلا الله وهو أعلم بخفايا خلقه ونواياهم ومقادير أعمالهم من حسنات وسيئات ، واستعداد نفوسهم وعقولهم لمختلف مصادر الخير والشر قال تعالى : (وَلَوْ عَلِمَ اللهُ فِيهِمْ خَيْراً لَأَسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ) [الأنفال : ٢٣].
ومما اختبط فيه ضعفاء المعرفة وقصّار الأنظار أن زعم أهل القول بالتناسخ أن هذه المصائب التي لا نرى لها أسبابا والخيرات التي تظهر في مواطن تحفّ بها مقتضيات الشرور إنما هي بسبب جزاء الأرواح المودعة في الأجسام التي نشاهدها على ما كانت أصابته من مقتضيات الأحوال التي عرضت لها في مرآنا قبل أن توضع في هذه الأجساد التي نراها ، وقد عموا عما يرد على هذا الزعم من سؤال عن سبب إيداع الأرواح الشريرة في الأجساد الميسرة للصالحات والعكس فبئس ما يفترون.
فقوله : (وَيَعْفُوا عَنْ كَثِيرٍ) عطف على جملة (وَما أَصابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِما كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ) ، وضمير (يَعْفُوا) عائد إلى ما عاد إليه ضمير (وَمِنْ آياتِهِ خَلْقُ السَّماواتِ) [الشورى : ٢٩]. وهذا يشير إلى ما يتراءى لنا من تخلف إصابة المصيبة عن بعض الذين كسبت أيديهم جرائم ، ومن ضد ذلك مما تصيب المصائب بعض الذين آمنوا وعملوا الصالحات ، وهو إجمال يبيّنه على الجملة أن ما يعلمه الله من أحوال عباده وما تغلب من حسناتهم على سيئاتهم ، وما تقتضيه حكمة الله من إمهال بعض عباده أو من ابتلاء بعض المقربين ، وتلك مراتب كثيرة وأحوال مختلفة تتعارض وتتساقط والموفّق يبحث عن الأسباب فإن أعجزته فوّض العلم إلى الله.
والمعنى : أنه تعالى يعفو ، أي يصفح فلا يصيب كثيرا من عباده الذين استحقّوا جزاء السوء بعقوبات دنيوية لأنه يعلم أن ذلك أليق بهم. فالمراد هنا : العفو عن المؤاخذة في الدنيا ولا علاقة لها بجزاء الآخرة فإن فيه أدلة أخرى من الكتاب والسنة.
و (كَثِيرٍ) صفة لمحذوف ، أي عن خلق أو ناس.
(وَما أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ وَما لَكُمْ مِنْ دُونِ اللهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ (٣١))