والآفاق : جمع أفق بضمتين وتسكن فاؤه أيضا هو : الناحية من الأرض المتميزة عن غيرها ، والناحية من قبة السماء. وعطف (وَفِي أَنْفُسِهِمْ) يجوز أن يكون من عطف الخاص على العام ، أي وفي أفق أنفسهم ، أي مكّة وما حولها على حذف مضاف.
والأحسن أن يكون في الآفاق على عمومه الشامل لأفقهم ، ويكون معنى (وَفِي أَنْفُسِهِمْ) أنّهم يرون آيات صدقه في أحوال تصيب أنفسهم ، أي ذواتهم مثل الجوع الذي دعا عليهم به النبي صلىاللهعليهوسلم ، ونزل فيه قوله تعالى : (فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّماءُ بِدُخانٍ مُبِينٍ) [الدخان : ١٠] ، ومثل ما شاهدوه من مصارع كبرائهم يوم بدر وقد توعدهم به القرآن بقوله (يَوْمَ نَبْطِشُ الْبَطْشَةَ الْكُبْرى إِنَّا مُنْتَقِمُونَ) [الدخان : ١٦]. وأيّة عبرة أعظم من مقتل أبي جهل يوم بدر رماه غلامان من الأنصار وتولى عبد الله بن مسعود ذبحه وثلاثتهم من ضعفاء المسلمين وهو ذلك الجبار العنيد. وقد قال عند موته : لو غير أكّار قتلني ، ومن مقتل أبيّ بن خلف يومئذ بيد النبي صلىاللهعليهوسلم وقد كان قال له بمكة : أنا أقتلك وقد أيقن بذلك فقال لزوجه ليلة خروجه إلى بدر : والله لو بصق علي لقتلني.
(أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ).
عطف على إعلام الرّسول بما سيظهر من دلائل صدق القرآن وصدق الرّسول صلىاللهعليهوسلم زيادة لتثبيت الرّسول وشرح صدره بأن الله تكفل له بظهور دينه ووضوح صدقه في سائر أقطار الأرض وفي أرض قومه ، على طريقة الاستفهام التقريري تحقيقا لتيقن النبيصلىاللهعليهوسلم بكفالة ربّه بحيث كانت ممّا يقرر عليها كناية عن اليقين بها ، فالاستفهام تقريري.
والمعنى : تكفيك شهادة ربّك بصدقك فلا تلتفت لتكذيبهم ، وهذا على حدّ قوله : (لكِنِ اللهُ يَشْهَدُ بِما أَنْزَلَ إِلَيْكَ أَنْزَلَهُ بِعِلْمِهِ وَالْمَلائِكَةُ يَشْهَدُونَ وَكَفى بِاللهِ شَهِيداً) [النساء : ١٦٦] وقوله : (وَأَرْسَلْناكَ لِلنَّاسِ رَسُولاً وَكَفى بِاللهِ شَهِيداً) [النساء : ٧٩] فهذا وجه في موقع هذه الآية.
وهنالك وجه آخر أن يكون مساقها مساق تلقين النبي صلىاللهعليهوسلم أن يستشهد بالله على أن القرآن من عند الله ، فيكون موقعها موقع القسم بإشهاد الله ، وهو قسم غليظ فيه معنى نسبة المقسم عليه إلى أنه مما يشهد الله به فيكون الاستفهام إنكاريا إنكارا لعدم الاكتفاء بالقسم بالله ، وهو كناية عن القسم ، وعن عدم تصديقهم بالقسم ، فيكون معنى الآية قريبا من معنى قوله تعالى : (قُلْ كَفى بِاللهِ شَهِيداً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ) [الرعد : ٤٣] وقوله تعالى: (قُلْ كَفى بِاللهِ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ شَهِيداً) [العنكبوت : ٥٢].