(فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ إِنَّكَ عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ (٤٣))
لما هوّن الله على رسوله صلىاللهعليهوسلم ما يلاقيه من شدة الحرص على إيمانهم ووعده النصر عليهم فرّع على ذلك أن أمره بالثبات على دينه وكتابه وأن لا يخور عزمه في الدعوة ضجرا من تصلبهم في كفرهم ونفورهم من الحق.
والاستمساك : شدة المسك ، فالسين والتاء فيه للتأكيد. والأمر به مستعمل في طلب الدوام ، لأنّ الأمر بفعل لمن هو متلبس به لا يكون لطلب الفعل بل لمعنى آخر وهو هنا طلب الثبات على التمسك بما أوحي إليه كما دلّ عليه قوله : (إِنَّكَ عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ) وهذا كما يدعى للعزيز المكرم ، فيقال : أعزك الله وأكرمك ، أي أدام ذلك وقوله : أحياك الله ، أي أطال حياتك ، ومنه قوله تعالى في تعليم الدعاء (اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ) [الفاتحة : ٦].
والذي أوحي إليه هو القرآن. وجملة (إِنَّكَ عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ) تأييد لطلب الاستمساك بالذي أوحي إليه وتعليل له.
والصراط المستقيم : هو العمل بالذي أوحي إليه ، فكأنه قيل : إنّه صراط مستقيم ، ولكن عدل عن ذلك إلى (إِنَّكَ عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ) ليفيد أن الرسول صلىاللهعليهوسلم راسخ في الاهتداء إلى مراد الله تعالى كما يتمكن السائر من طريق مستقيم لا يشوبه في سيره تردّد في سلوكه ولا خشية الضلال في بنياته. ومثله قوله تعالى : (إِنَّكَ عَلَى الْحَقِّ الْمُبِينِ) في سورة النمل [٧٩].
وحرف (عَلى) للاستعلاء المجازي المراد به التمكن كقوله : (أُولئِكَ عَلى هُدىً مِنْ رَبِّهِمْ) [البقرة : ٥]. وهذا تثبيت للرّسول صلىاللهعليهوسلم وثناء عليه بأنه ما زاغ قيد أنملة عمّا بعثه الله به ، كقوله : (إِنَّكَ عَلَى الْحَقِّ الْمُبِينِ) ويتبعه تثبيت المؤمنين على إيمانهم. وهذا أيضا ثناء سادس على القرآن.
(وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْئَلُونَ (٤٤))
ذكر حظ الرّسول صلىاللهعليهوسلم من الثناء والتأييد في قوله : (عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ) [الزخرف : ٤٣] المجعول علة للأمر بالثبات عليه ، ثم عطف عليه تعليل آخر اشتمل على ذكر حظ