إسرائيل من مصر ، أو أراد : فاعتزلوني زمنا ، يعني إلى أن يعيّن له الله زمن الخروج.
وعدّي (تُؤْمِنُوا) باللام لأنه يقال : آمن به وآمن له ، قال تعالى : (فَآمَنَ لَهُ لُوطٌ) [العنكبوت : ٢٦] ، وأصل هذه اللام لام العلة على تضمين فعل الإيمان معنى الركون.
وقد جاء ترتيب فواصل هذا الخطاب على مراعاة ما يبدو من فرعون وقومه عند إلقاء موسى دعوته عليهم إذ ابتدأ بإبلاغ ما أرسل به إليهم فآنس منهم التعجب والتردد فقال : (إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ) ، فرأى منهم الصلف والأنفة فقال : (وَأَنْ لا تَعْلُوا عَلَى اللهِ) فلم يرعووا فقال : (إِنِّي آتِيكُمْ بِسُلْطانٍ مُبِينٍ) ، فلاحت عليهم علامات إضمار السوء له فقال: (وَإِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُمْ أَنْ تَرْجُمُونِ وَإِنْ لَمْ تُؤْمِنُوا لِي فَاعْتَزِلُونِ) ، فكان هذا الترتيب بين الجمل مغنيا عن ذكر ما أجابوا به على أبدع إيجاز.
(فَدَعا رَبَّهُ أَنَّ هؤُلاءِ قَوْمٌ مُجْرِمُونَ (٢٢))
التعقيب المفاد بالفاء تعقيب على محذوف يقتضي هذا الدعاء إذ ليس في المذكور قبل الفاء ما يناسبه التعقيب بهذا الدعاء إذ المذكور قبله كلام من موسى إليهم ، فالتقدير : فلم يستجيبوا له فيما أمرهم ، أو فأصرّوا على أذاه وعدم متاركته فدعا ربه ، وهذا التقرير الثاني أليق بقوله : (أَنَّ هؤُلاءِ قَوْمٌ مُجْرِمُونَ). وهذا كالتعقيب الذي في قوله تعالى : (فَأَوْحَيْنا إِلى مُوسى أَنِ اضْرِبْ بِعَصاكَ الْبَحْرَ فَانْفَلَقَ) [الشعراء : ٦٣] ، وقوله : (أَنَّ هؤُلاءِ قَوْمٌ مُجْرِمُونَ) اتفق القراء العشرة على قراءته بفتح الهمزة وشد النون فما بعدها في قوة المصدر ، فلذلك تقدر الباء التي يتعدّى بها فعل (دعا) ، أي دعا ربه بما يجمعه هذا التركيب المستعمل في التعريض بأنهم استوجبوا تسليط العقاب الذي يدعو به الداعي ، فالإخبار عن كونهم قوما مجرمين مستعمل في طلب المجازاة على الإجرام أو في الشكاية من اعتدائهم ، أو في التخوف من شرهم إذا استمرّوا على عدم تسريح بني إسرائيل ، وكل ذلك يقتضي الدعاء لكف شرّهم ، فلذلك أطلق على هذا الخبر فعل دعا.
(فَأَسْرِ بِعِبادِي لَيْلاً إِنَّكُمْ مُتَّبَعُونَ (٢٣))
تفريع على جملة (أَنَّ هؤُلاءِ قَوْمٌ مُجْرِمُونَ) [الدخان : ٢٢] ، والمفرّع قول محذوف دلت عليه صيغة الكلام ، أي فدعا فقلنا : اسر بعبادي. وقرأه نافع وابن كثير وأبو جعفر (فَأَسْرِ) بهمزة وصل على أنه أمر من (سرى) ، وقرأه الباقون بهمزة قطع من (أسرى)