القصر ، أي لا عليّ ولا عظيم غيره لأن من عداه لا يخلو عن افتقار إليه فلا علوّ له ولا عظمة. وهذا قصر قلب ، أي دون آلهتكم فلا علو لها كما تزعمون. قال أبو سفيان : اعل هبل.
وتقدم معنى هاتين الجملتين في خلال آية الكرسي من سورة البقرة.
(تَكادُ السَّماواتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْ فَوْقِهِنَّ وَالْمَلائِكَةُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِمَنْ فِي الْأَرْضِ أَلا إِنَّ اللهَ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (٥))
(تَكادُ السَّماواتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْ فَوْقِهِنَ).
جملة مستأنفة مقررة لمعنى جملة (وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ) [الشورى : ٤] ولذلك لم تعطف عليها ، أي يكاد السماوات على عظمتهن يتشققن من شدّة تسخرهن فيما يسخرهن الله له من عمل لا يخالف ما قدّره الله لهنّ ، وأيضا قد قيل : إن المعنى : يكاد السماوات يتفطرن من كثرة ما فيهن من الملائكة والكواكب وتصاريف الأقدار ، فيكون في معنى قول النبي صلىاللهعليهوسلم «أطّت السماء وبحقها أن تئطّ. والذي نفس محمّد بيده ما فيها موضع شبر إلا فيه جبهة ملك ساجد يسبح الله بحمده» (١) ويرجّحه تعقيبه بقوله تعالى : (وَالْمَلائِكَةُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ) كما سيأتي.
وقرأ نافع وحده والكسائي يكاد بتحتية في أوّله. وقرأه الباقون بفوقية وهما وجهان جائزان في الفعل المسند إلى جمع غير المذكر السالم وخاصة مع عدم التأنيث الحقيقي. وتقدم في سورة مريم [٩٠] قوله : يكاد (السَّماواتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ).
وقرأ الجمهور (يَتَفَطَّرْنَ) بتحتية ثم فوقية وأصله مضارع التفطر ، وهو مطاوع التفطير الذي هو تكرير الشقّ. وقرأه أبو عمرو وأبو بكر عن عاصم ويعقوب بتحتيّة ثم نون وهو مضارع : انفطر ، مطاوع الفطر مصدر فطر الثلاثي ، إذا شقّ ، وليس المقصود منه على القراءتين قبول أثر الفاعل إذ لا فاعل هنا للشقّ وإنّما المقصود الخبر بحصول الفعل ، وهذا كثير ، كقولهم : انشقّ ضوء الفجر ، فلا التفات هنا لما يقصد غالبا في مادة التفعل من تكرير الفعل إذ لا فاعل للشقّ هنا ولا لتكرره ، فاستوت القراءتان في باب البلاغة ، على أنّ استعمال صيغ المطاوعة في اللّغة ذو أنحاء كثيرة واعتبارات كما نبه عليه كلام الرضيّ
__________________
(١) أخرجه ابن مردويه عن أنس وهو حديث حسن.