(لَوْ لا نُزِّلَ هذَا الْقُرْآنُ عَلى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ) [الزخرف : ٣١] إلّا أن كلمة سادة قريش كانت أقرب إلى الأدب من كلمة فرعون لأن هؤلاء كان رسولهم من قومهم فلم يتركوا جانب الحياء بالمرة وفرعون كان رسوله غريبا عنهم. وقوله (فَلَوْ لا أُلْقِيَ عَلَيْهِ) أساورة (مِنْ ذَهَبٍ) [الزخرف : ٥٣] لأنه مشابه لما تضمنه قول صناديد قريش (عَلى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ) [الزخرف : ٣١] فإن عظمة ذينك الرجلين كانت بوفرة المال ، ولذلك لم يذكر مثله في غير هذه القصة من قصص بعثة موسى عليهالسلام ، وقولهم : (يا أَيُّهَا السَّاحِرُ ادْعُ لَنا رَبَّكَ) [الزخرف : ٤٩] وهو مضاه لقوله في قريش (هذا سِحْرٌ وَإِنَّا بِهِ كافِرُونَ) [الزخرف : ٣٠] ، وقوله : (فَأَغْرَقْناهُمْ أَجْمَعِينَ) [الزخرف : ٥٥] الدالّ على أن الله أهلكهم كلّهم ، وذلك إنذار بما حصل من استئصال صناديد قريش يوم بدر.
فحصل من العبرة في هذه القصة أمران :
أحدهما : أن الكفار والجهلة يتمسكون بمثل هذه الشبهة في رد فضل الفضلاء فيتمسكون بخيوط العنكبوت من الأمور العرضية التي لا أثر لها في قيمة النفوس الزكية.
وثانيهما : أن فرعون صاحب العظمة الدنيوية المحضة صار مقهورا مغلوبا انتصر عليه الذي استضعفه ، وتقدم نظير هذه الآية غير مرة.
و (إِذا) حرف مفاجأة ، أي يدل على أن ما بعده حصل عن غير ترقب فتفتتح به الجملة التي يفاد منها حصول حادث على وجه المفاجأة. ووقعت الجملة التي فيها (إِذا) جوابا لحرف (لمّا) ، وهي جملة اسمية و (لمّا) تقتضي أن يكون جوابها جملة فعلية ، لأن ما في (إِذا) من معنى المفاجأة يقوم مقام الجملة الفعلية.
والضحك : كناية عن الاستخفاف بالآيات والتكذيب فلا يتعيّن أن يكون كل الحاضرين صدر منهم ضحك ، ولا أن ذلك وقع عند رؤية آية إذ لعل بعضها لا يقتضي الضحك.
(وَما نُرِيهِمْ مِنْ آيَةٍ إِلاَّ هِيَ أَكْبَرُ مِنْ أُخْتِها وَأَخَذْناهُمْ بِالْعَذابِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (٤٨))
الأظهر أن جملة (وَما نُرِيهِمْ مِنْ آيَةٍ إِلَّا هِيَ أَكْبَرُ مِنْ أُخْتِها) في موضع الحال ، وأن الواو واو الحال وأن الاستثناء من أحوال ، وما بعد (إِلَّا) في موضع الحال ،