مستحقّ الحمد الكثير ، فالكلام المنزل منه يستحق الحمد وإنما يحمد الكلام إذ يكون دليلا للخيرات وسائقا إليها لا مطعن في لفظه ولا في معناه ، فيحمده سامعه كثيرا لأنه يجده مجلبة للخير الكثير ، ويحمد قائله لا محالة خلافا للمشركين.
وفي إجراء هذه الأوصاف إيماء إلى حماقة الذين كفروا بهذا القرآن وسفاهة آرائهم إذ فرطوا فيه ففرطوا في أسباب فوزهم في الدنيا وفي الآخرة ولذلك جيء بجملة الحال من الكتاب عقب ذكر تكذيبهم إياه فقال : (وَإِنَّهُ لَكِتابٌ عَزِيزٌ) الآيات.
(ما يُقالُ لَكَ إِلاَّ ما قَدْ قِيلَ لِلرُّسُلِ مِنْ قَبْلِكَ إِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ وَذُو عِقابٍ أَلِيمٍ (٤٣))
(ما يُقالُ لَكَ إِلَّا ما قَدْ قِيلَ لِلرُّسُلِ مِنْ قَبْلِكَ).
استئناف بياني جواب لسؤال يثيره قوله : (إِنَّ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي آياتِنا لا يَخْفَوْنَ عَلَيْنا) [فصلت : ٤٠] ، وقوله : (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالذِّكْرِ لَمَّا جاءَهُمْ) [فصلت : ٤١] وما تخلل ذلك من الأوصاف فيقول سائل : فما بال هؤلاء طعنوا فيه؟ فأجيب بأن هذه سنة الأنبياء مع أممهم لا يعدمون معاندين جاحدين يكفرون بما جاءوا به. وإذا بنيت على ما جوزته سابقا أن يكون جملة : (ما يُقالُ) خبر (إِنَ) [فصلت : ٤١] كانت خبرا وليست استئنافا.
وهذا تسلية للنبي صلىاللهعليهوسلم بطريق الكناية وأمر له بالصبر على ذلك كما صبر من قبله من الرسل بطريق التعريض. ولهذا الكلام تفسيران :
أحدهما : أن ما يقوله المشركون في القرآن والنبي صلىاللهعليهوسلم هو دأب أمثالهم المعاندين من قبلهم فما صدق (ما قَدْ قِيلَ لِلرُّسُلِ) هو مقالات الذين كذبوهم ، أي تشابهت قلوب المكذبين فكانت مقالاتهم متماثلة قال تعالى : (أَتَواصَوْا بِهِ) [الذاريات : ٥٣].
التفسير الثاني : ما قلنا لك إلا ما قلناه للرسل من قبلك ، فأنت لم تكن بدعا من الرسل فيكون لقومك بعض العذر في التكذيب ولكنهم كذبوا كما كذب الذين من قبلهم ، فما صدق : (ما قَدْ قِيلَ لِلرُّسُلِ) هو الدين والوحي فيكون من طريقة قوله تعالى : (إِنَّ هذا لَفِي الصُّحُفِ الْأُولى) [الأعلى : ١٨]. وكلا المعنيين وارد في القرآن فيحمل الكلام على كليهما.
وفي التعبير ب (ما) الموصولة وفي حذف فاعل القولين في قوله : (ما يُقالُ)