وجملة (شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصارُهُمْ) إلخ يقتضي كلام المفسرين أنها جواب (إِذا) ، فاقتضى الارتباط بين شرطها وجوابها وتعليقها بفعل الجواب. واستشعروا أن الشهادة عليهم تكون قبل أن يوجهوا إلى النار ، فقدّروا فعلا محذوفا تقديره : وسئلوا عما كانوا يفعلون فأنكروا فشهد عليهم سمعهم وأبصارهم وجلودهم ، يعني : سألهم خزنة النار.
وأحسن من ذلك أن نقول : إن جواب (إِذا) محذوف للتهويل وحذف مثله كثير في القرآن ، ويكون جملة (شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ) إلى آخرها مستأنفة استئنافا بيانيا نشأ عن مفاد (حَتَّى) من الغاية لأن السائل يتطلب ما ذا حصل بين حشرهم إلى النار وبين حضورهم عند النار فأجيب بأنه (شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصارُهُمْ وَجُلُودُهُمْ) إلى قوله : (الَّذِي أَنْطَقَ كُلَّ شَيْءٍ) ويتضمن ذلك أنهم حوسبوا على أعمالهم وأنكروها فشهدت عليهم جوارحهم وأجسادهم. أو أن يكون جواب (إِذا) قوله : (فَإِنْ يَصْبِرُوا فَالنَّارُ مَثْوىً لَهُمْ) [فصلت : ٢٤] إلخ.
وجملة (شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصارُهُمْ) وما عطف عليها معترضة بين الشرط وجوابه. وشهادة جوارحهم وجلودهم عليهم : شهادة تكذيب وافتضاح لأن كون ذلك شهادة يقتضي أنهم لما رأوا النار اعتذروا بإنكار بعض ذنوبهم طمعا في تخفيف العذاب وإلا فقد علم الله ما كانوا يصنعون وشهدت به الحفظة وقرئ عليهم كتابهم ، وما أحضروا للنار إلا وقد تحققت إدانتهم ، فما كانت شهادة جوارحهم إلا زيادة خزي لهم وتحسيرا وتنديما على سوء اعتقادهم في سعة علم الله.
وتخصيص السمع والأبصار والجلود بالشهادة على هؤلاء دون بقية الجوارح لأن للسمع اختصاصا بتلقي دعوة النبي صلىاللهعليهوسلم وتلقي آيات القرآن ، فسمعهم يشهد عليهم بأنهم كانوا يصرفونه عن سماع ذلك كما حكى الله عنهم بقوله : (وَفِي آذانِنا وَقْرٌ) [فصلت : ٥] ، ولأن للأبصار اختصاصا بمشاهدة دلائل المصنوعات الدالة على انفراد الله تعالى بالخلق والتدبير فذلك دليل وحدانيته في إلهيته ، وشهادة الجلود لأن الجلد يحوي جميع الجسد لتكون شهادة الجلود عليهم شهادة على أنفسها فيظهر استحقاقها للحرق بالنار لبقية الأجساد دون اقتصار على حرق موضع السمع والبصر. ولذلك اقتصروا في توجيه الملامة على جلودهم لأنها حاوية لجميع الحواس والجوارح ، وبهذا يظهر وجه الاقتصار على شهادة السمع والأبصار والجلود هنا بخلاف آية سورة النور [٢٤] (يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِما كانُوا يَعْمَلُونَ) ، لأن آية النور تصف الذين يرمون