مِنْهُ) ولكنّه قدّم الأمنة هنا تشريفا لشأنها لأنّها جعلت كالمنزل من الله لنصرهم ، فهو كالسكينة ، فناسب أن يجعل هو مفعول أنزل ، ويجعل النعاس بدلا منه.
وقرأ الجمهور : يغشى ـ بالتحتية ـ على أنّ الضّمير عائد إلى نعاس ، وقرأه حمزة ، والكسائي ، وخلف ـ بالفوقية ـ بإعادة الضّمير إلى أمنة ، ولذلك وصفها بقوله : (مِنْكُمْ).
(وَطائِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ يَظُنُّونَ بِاللهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجاهِلِيَّةِ يَقُولُونَ هَلْ لَنا مِنَ الْأَمْرِ مِنْ شَيْءٍ قُلْ إِنَّ الْأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ يُخْفُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ ما لا يُبْدُونَ لَكَ يَقُولُونَ لَوْ كانَ لَنا مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ ما قُتِلْنا هاهُنا).
لمّا ذكر حال طائفة المؤمنين ، تخلّص منه لذكر حال طائفة المنافقين ، كما علم من المقابلة ، ومن قوله : (يَظُنُّونَ بِاللهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجاهِلِيَّةِ) ، ومن ترك وصفها بمنكم كما وصف الأولى.
(وَطائِفَةٌ) مبتدأ وصف بجملة (قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ). وخبره جملة (يَظُنُّونَ بِاللهِ غَيْرَ الْحَقِ) والجملة من قوله : (وَطائِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ) إلى قوله : (وَاللهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ) اعتراض بين جملة (ثُمَّ أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ) الآية. وجملة (إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْا مِنْكُمْ) [آل عمران : ١٥٥] الآية.
ومعنى (أَهَمَّتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ) أي حدّثتهم أنفسهم بما يدخل عليهم الهمّ وذلك بعدم رضاهم بقدر الله ، وبشدّة تلهفهم على ما أصابهم وتحسّرهم على ما فاتهم ممّا يظنّونه منجيا لهم لو عملوه : أي من الندم على ما فات ، وإذ كانوا كذلك كانت نفوسهم في اضطراب وتحرّق يمنعهم من الاطمئنان ومن المنام ، وهذا كقوله الآتي : (لِيَجْعَلَ اللهُ ذلِكَ حَسْرَةً فِي قُلُوبِهِمْ) [آل عمران : ١٥٦]. وقيل معنى (أَهَمَّتْهُمْ) أدخلت عليهم الهمّ بالكفر والارتداد ، وكان رأس هذه الطائفة معتّب بن قشير.
وجملة (يَظُنُّونَ بِاللهِ غَيْرَ الْحَقِ) إمّا استئناف بياني نشأ عن قوله : (قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ) وإمّا حال من (طائفة). ومعنى (يَظُنُّونَ بِاللهِ غَيْرَ الْحَقِ) أنّهم ذهبت بهم هواجسهم إلى أن ظنوا بالله ظنونا باطلة من أوهام الجاهلية. وفي هذا تعريض بأنّهم لم يزالوا على جاهليتهم لم يخلصوا الدين لله ، وقد بيّن بعض ما لهم الظنّ بقوله : (يَقُولُونَ هَلْ لَنا مِنَ الْأَمْرِ مِنْ شَيْءٍ) وهل للاستفهام الإنكاري بمعنى النفي ، بقرينة زيادة (من) قبل النكرة ، وهي من خصائص النفي ، وهو تبرئة لأنفسهم من أن يكونوا سببا في مقابلة