الاستعارة ، وحسّنها أنّ الشهداء أحياء ، فهو استعارة أو مشاكلة تقديرية لأنّ قولهم ، ما قتلنا هاهنا يتضمّن معنى أنّ الشهداء كانوا يبقون في بيوتهم متمتّعين بفروشهم.
(وَلِيَبْتَلِيَ اللهُ ما فِي صُدُورِكُمْ وَلِيُمَحِّصَ ما فِي قُلُوبِكُمْ وَاللهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ).
(وَلِيَبْتَلِيَ اللهُ ما فِي صُدُورِكُمْ) عطف على قوله : (لِكَيْلا تَحْزَنُوا عَلى ما فاتَكُمْ) [آل عمران : ١٥٣] وما بينهما جمل بعضها عطف على الجملة المعلّلة ، وبعضها معترضة ، فهو خطاب للمؤمنين لا محالة ، وهو علّة ثانية لقوله : (فَأَثابَكُمْ غَمًّا بِغَمٍ) [آل عمران : ١٥٣].
والصّدور هنا بمعنى الضّمائر ، والابتلاء : الاختبار ، وهو هنا كناية عن أثره ، وهو إظهاره للنّاس والحجّة على أصحاب تلك الضّمائر بقرينة قوله : (وَاللهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ) كما تقدّم في قوله تعالى : (وَلِيَعْلَمَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا) [آل عمران : ١٤٠].
والتمحيص تخليص الشيء ممّا يخالطه ممّا فيه عيب له فهو كالتزكية. والقلوب هنا بمعنى العقائد ، ومعنى تمحيص ما فيه قلوبهم تطهيرها ممّا يخامرها من الريب حين سماع شبه المنافقين الّتي يبثّونها بينهم.
وأطلق الصدور على الضّمائر لأنّ الصدر في كلام العرب يطلق على الإحساس الباطني ، وفي الحديث : «الإثم ما حاك في الصّدر» وأطلق القلب على الاعتقاد لأنّ القلب في لسان العرب هو ما به يحصّل التفكّر والاعتقاد. وعدّي إلى الصّدور فعل الابتلاء لأنّه اختبار الأخلاق والضّمائر : ما فيها من خير وشرّ ، وليتميّز ما في النفس. وعدّي إلى القلوب فعل التمحيص لأنّ الظنون والعقائد محتاجة إلى التمحيص لتكون مصدر كلّ خير.
(إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْا مِنْكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعانِ إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطانُ بِبَعْضِ ما كَسَبُوا وَلَقَدْ عَفَا اللهُ عَنْهُمْ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ (١٥٥))
استئناف لبيان سبب الهزيمة الخفيّ ، وهي استزلال الشيطان إيّاهم ، وأراد ب (يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعانِ) يوم أحد ، و (استزلّهم) بمعنى أزلّهم أي جعلهم زالّين ، والزلل مستعار لفعل الخطيئة ، والسين والتاء فيه للتأكيد ، مثل استفاد واستبشر واستنشق وقول النّابغة :
وهم قتلوا الطائي بالجوّ عنوة |
|
أبا جابر فاستنكحوا أم جابر |
أي نكحوا. ومنه قوله تعالى : (وَاسْتَغْنَى اللهُ) [التغابن : ٦] وقوله : (أَبى وَاسْتَكْبَرَ) [البقرة : ٣٤]. ولا يحسن حمل السين والتاء على معنى الطلب لأنّ المقصود لومهم على