وقوله : (وَجِئْتُكُمْ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ) تأكيد لقوله الأول : (أَنِّي قَدْ جِئْتُكُمْ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ) [آل عمران : ٤٩]. وإنما عطف بالواو لأنه أريد أن يكون من جملة الأخبار المتقدّمة ويحصل التأكيد بمجرّد تقدم مضمونه ، فتكون لهذه الجملة اعتباران يجعلانها بمنزلة جملتين ، وليبنى عليه التفريع بقوله : (فَاتَّقُوا اللهَ وَأَطِيعُونِ).
وقرأ الجمهور قوله : (وَأَطِيعُونِ) بحذف ياء المتكلم في الوصل والوقف ، وقرأه يعقوب : بإثبات الياء فيهما.
وقوله : (إِنَّ اللهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ) إنّ مكسورة الهمزة لا محالة ، وهي واقعة موقع التعليل للأمر بالتقوى والطاعة كشأنها إذا وقعت لمجرّد الاهتمام كقول بشار.
بكّرا صاحبيّ قبل الهجير |
|
إنّ ذاك النجاح في التبكير |
ولذلك قال : (رَبِّي وَرَبُّكُمْ) فهو لكونه ربّهم حقيق بالتقوى ، ولكونه ربّ عيسى وأرسله تقتضي تقواه طاعة رسوله.
وقوله : فاعبدوه تفريع على الرّبوبية ، فقد جعل قوله إنّ الله ربي تعليلا ثم أصلا للتفريع.
وقوله : (هذا صِراطٌ مُسْتَقِيمٌ) الإشارة إلى ما قاله كلّه أي أنّه الحق الواضح فشبهه بصراط مستقيم لا يضلّ سالكه ولا يتحير.
[٥٢ ، ٥٣] (فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسى مِنْهُمُ الْكُفْرَ قالَ مَنْ أَنْصارِي إِلَى اللهِ قالَ الْحَوارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصارُ اللهِ آمَنَّا بِاللهِ وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ (٥٢) رَبَّنا آمَنَّا بِما أَنْزَلْتَ وَاتَّبَعْنَا الرَّسُولَ فَاكْتُبْنا مَعَ الشَّاهِدِينَ (٥٣))
آذن شرط لما بجمل محذوفة ، تقديرها : فولد عيسى ، وكلم الناس في المهد بما أخبرت به الملائكة مريم ، وكلم الناس بالرسالة. وأراهم الآيات الموعود بها ، ودعاهم إلى التصديق به وطاعته ، فكفروا به ، فلما أحسّ منهم الكفر قال إلى آخره. أي أحسّ الكفر من جماعة من الذين خاطبهم بدعوته في قوله : (وَأَطِيعُونِ) [آل عمران : ٥٠] أي سمع تكذيبهم إياه وأخبر بتمالئهم عليه. «ومنهم» متعلق بأحسّ. وضمير منهم عائد إلى معلوم من المقام يفسره وصف الكفر.
وطلب النصر الإظهار الدعوة لله ، موقف من مواقف الرسل ، فقد أخبر الله عن نوح