وجعل الجواب بقوله : (فَلا غالِبَ لَكُمْ) دون أن يقول : لا تغلبوا ، للتنصيص على التّعميم في الجواب ، لأنّ عموم ترتّب الجزاء على الشرط أغلبي وقد يكون جزئيا أي لا تغلبوا من بعض المغالبين ، فأريد بإفادة التعميم دفع التّوهم.
والاستفهام في قوله : (فَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْصُرُكُمْ مِنْ بَعْدِهِ) إنكاري أي فلا ينصركم أحد غيره.
وكلمة (مِنْ بَعْدِهِ) هنا مستعملة في لازم معناها وهو المغايرة والمجاوزة : أي فمن الّذي ينصركم دونه أو غيره أي دون الله ، فالضّمير ضمير اسم الجلالة لا محالة ، واستعمال (بعد) في مثل هذا شائع في القرآن قال تعالى : (فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللهِ) [الجاثية : ٢٣] وأصل هذا الاستعمال أنه كالتمثيلية المكنية : بأن مثلت الحالة الحاصلة من تقدير الانكسار بحالة من أسلم الذي استنصر به وخذله فتركه وانصرف عنه لأن المقاتل معك إذا ولى عنك فقد خذلك فحذف ما يدل على الحالة المشبه بها ورمز إليه بلازمه وهو لفظ (مِنْ بَعْدِهِ).
وجملة (وَعَلَى اللهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ) تذييل قصد به الأمر بالتّوكل المستند إلى ارتكاب أسباب نصر الله تعالى : من أسباب عادية وهي الاستعداد ، وأسباب نفسانية وهي تزكية النفس واتّباع رضى الله تعالى.
(وَما كانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِما غَلَّ يَوْمَ الْقِيامَةِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ ما كَسَبَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ (١٦١))
الأظهر أنّه عطف على مجموع الكلام عطف الغرض رعلى الغرض وموقعه عقب جملة : (إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللهُ فَلا غالِبَ لَكُمْ) [آل عمران : ١٦٠]. الآية لأنها أفادت أن النصر بيد الله والخذل بيده ، وذلك يستلزم التّحريض على طلب مرضاته ليكون لطيفا بمن يرضونه. وإذ قد كانت هذه النّصائح والمواعظ موجهة إليهم ليعملوا بها فيما يستقبل من غزواتهم ، نبّهوا إلى شيء يستخفّ به الجيش في الغزوات ، وهو الغلول ليعلموا أنّ ذلك لا يرضي الله تعالى فيحذروه ويكونوا ممّا هو أدعى لغضب الله أشدّ حذرا فهذه مناسبة التّحذير من الغلول ويعضّد ذلك أنّ سبب هزيمتهم يوم أحد هو تعجلهم إلى أخذ الغنائم. والغلول : تعجّل بأخذ شيء من غال الغنيمة.
ولا تجد غير هذا يصلح لأن يكون مناسبا لتعقيب آية النصر بآية الغلول ، فإنّ غزوة