بِقُرْبانٍ تَأْكُلُهُ النَّارُ قُلْ قَدْ جاءَكُمْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِي بِالْبَيِّناتِ وَبِالَّذِي قُلْتُمْ فَلِمَ قَتَلْتُمُوهُمْ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (١٨٣) فَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقَدْ كُذِّبَ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ جاؤُ بِالْبَيِّناتِ وَالزُّبُرِ وَالْكِتابِ الْمُنِيرِ (١٨٤))
أبدل (الَّذِينَ قالُوا إِنَّ اللهَ عَهِدَ) من (الَّذِينَ قالُوا إِنَّ اللهَ فَقِيرٌ) [آل عمران : ١٨١] لذكر قولة أخرى شنيعة منهم ، وهي كذبهم على الله في أنّه عهد إليهم على ألسنة أنبيائهم أنّ لا يؤمنوا لرسول حتّى يأتيهم بقربان ، أي حتّى يذبح قربانا فتأكله نار تنزل من السماء ، فتلك علامة القبول ، وقد كان هذا حصل في زمن موسى عليهالسلام حين ذبح أوّل قربان على النحو الذي شرعه الله لبني إسرائيل فخرجت نار من عند الرّب فأحرقته. كما في سفر اللاويين. إلّا أنه معجزة لا تطّرد لسائر الأنبياء كما زعمه اليهود لأنّ معجزات الرسل تجيء على ما يناسب تصديق الأمّة. وفي الحديث : «ما من الأنبياء نبيء إلّا أوتي من الآيات ما مثله آمن عليه البشر ، وإنّما كان الذي أوتيت وحيا أوحى الله إليّ ، فأرجو أن أكون أكثرهم تابعا يوم القيامة» فقال الله تعالى لنبيّه : (قُلْ قَدْ جاءَكُمْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِي بِالْبَيِّناتِ وَبِالَّذِي قُلْتُمْ فَلِمَ قَتَلْتُمُوهُمْ).
وهذا الضرب من الجدل مبنيّ على التسليم ، أي إذا سلّمنا ذلك فليس امتناعكم من اتّباع الإسلام لأجل انتظار هذه المعجزة فإنّكم قد كذّبتم الرسل الذين جاءوكم بها وقتلتموهم ، ولا يخفي أنّ التسليم يأتي على مذهب الخصم إذ لا شكّ أنّ بني إسرائيل قتلوا أنبياء منهم بعد أن آمنوا بهم ، مثل زكرياء ويحيى وأشعياء وأرمياء ، فالإيمان بهم أوّل الأمر يستلزم أنهم جاءوا بالقربان تأكله النار على قولهم ، وقتلهم آخرا يستلزم أنّ عدم الثبات على الإيمان بالأنبياء شنشنة قديمة في اليهود وأنّهم إنّما يتّبعون أهواءهم ، فلا عجب أن يأتي خلفهم بمثل ما أتى به سلفهم.
وقوله : (إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) ظاهر في أنّ ما زعموه من العهد لهم بذلك كذب ومعاذير باطلة.
وإنّما قال : (وَبِالَّذِي قُلْتُمْ) عدل إلى الموصول للاختصار وتسجيلا عليهم في نسبة ذلك لهم ونظيره قوله تعالى : (وَقالَ لَأُوتَيَنَّ مالاً وَوَلَداً) إلى قوله : (وَنَرِثُهُ ما يَقُولُ) [مريم : ٧٧ ، ٨٠] أي نرث ماله وولده.
ثم سلى الله نبيه صلىاللهعليهوسلم بقوله : «فإن كذّبوك فقد كذّب رسل من قبلك» والمذكور بعد