وقرأ نافع ، وأبو جعفر : آتينكم ـ بنون العظمة ـ وقرأه الباقون (آتَيْتُكُمْ) بتاء المتكلم.
وجملة قال : (أَأَقْرَرْتُمْ) بدل اشتمال من جملة (أَخَذَ اللهُ مِيثاقَ النَّبِيِّينَ).
والإقرار هنا مستعمل في معنى التحقيق بالوفاء مما أخذ من الميثاق.
والإصر : بكسر الهمزة ، العهد المؤكد الموثق واشتقاقه من الإصار بكسر الهمزة وهو ما يعقد ويسدّ به ، وقد تقدم الكلام على حقيقته ومجازه في قوله تعالى : (رَبَّنا وَلا تَحْمِلْ عَلَيْنا إِصْراً) في سورة البقرة [٢٨٦].
وقوله : (فَاشْهَدُوا) إن كان شهادة على أنفسهم فهي بمعنى التوثق والتحقيق وكذلك قوله : (وَأَنَا مَعَكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ) كقوله : (شَهِدَ اللهُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ) [آل عمران : ١٨] وإن كانت شهادة على أممهم بتبليغ ذلك الميثاق فالمعنى فاشهدوا على أممكم بذلك ، والله شاهد على الجميع كما شهد النبيئون على الأمم.
وقوله : (فَمَنْ تَوَلَّى بَعْدَ ذلِكَ) أي من تولّى ممن شهدتم عليهم ، وهم الأمم ، ولذلك لم يقل فمن تولّى بعد ذلك منكم كما قال في الآية التي خوطب فيها بنو إسرائيل في سورة المائدة [١٢] : (فَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذلِكَ مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَواءَ السَّبِيلِ).
ووجه الحصر في قوله : (فَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ) أنه للمبالغة لأنّ فسقهم في هذه الحالة أشد فسق فجعل غيره من الفسق كالعدم.
(أَفَغَيْرَ دِينِ اللهِ يَبْغُونَ وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ طَوْعاً وَكَرْهاً وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ (٨٣))
تفريع عن التذكير بما كان عليه الأنبياء.
والاستفهام للتوبيخ والتحذير.
وقرأه الجمهور تبغون بتاء الخطاب فهو خطاب لأهل الكتاب جار على طريقة الخطاب في قوله آنفا : (وَلا يَأْمُرَكُمْ أَنْ تَتَّخِذُوا الْمَلائِكَةَ) [آل عمران : ٨٠] وقرأه أبو عمرو ، وحفص ، ويعقوب : بياء الغيبة فهو التفات من الخطاب إلى الغيبة ، إعراضا عن مخاطبتهم إلى مخاطبة المسلمين بالتعجيب من أهل الكتاب. وكله تفريع ذكر أحوال خلف أولئك الأمم كيف اتبعوا غير ما أخذ عليهم العهد به. والاستفهام حينئذ للتعجيب.