خاشِعِينَ لِلَّهِ لا يَشْتَرُونَ بِآياتِ اللهِ ثَمَناً قَلِيلاً أُولئِكَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ إِنَّ اللهَ سَرِيعُ الْحِسابِ (١٩٩))
عطف على جملة (لكِنِ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ) [آل عمران : ١٩٨] استكمالا لذكر الفرق في تلقّي الإسلام : فهؤلاء فريق الذين آمنوا من أهل الكتاب ولم يظهروا إيمانهم لخوف قومهم مثل النجاشي أصحمة ، وأثنى الله عليهم بأنّهم لا يحرّفون الدين ، والآية مؤذنة بأنّهم لم يكونوا معروفين بذلك لأنّهم لو عرفوا بالإيمان لما كان من فائدة في وصفهم بأنّهم من أهل الكتاب ، وهذا الصنف بعكس حال المنافين. وأكّد الخبر بأنّ وبلام الابتداء للردّ على المنافقين الذين قالوا لرسول الله لمّا صلّى على النجاشي : انظروا إليه يصلّي على نصراني ليس على دينه ولم يره قط. على ما روي عن ابن عباس وبعض أصحابه أنّ ذلك سبب نزول هذه الآية. ولعلّ وفاة النجاشي حصلت قبل غزوة أحد.
وقيل : أريد بهم هنا من أظهر إيمانه وتصديقه من اليهود مثل عبد الله بن سلام ومخيريق ، وكذا من آمن من نصارى نجران أي الذين أسلموا ورسول الله بمكّة إن صحّ خبر إسلامهم.
وجيء باسم الإشارة في قوله : (أُولئِكَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ) للتنبيه على أنّ المشار إليهم به أحرياء بما سيرد من الإخبار عنهم لأجل ما تقدّم اسم الإشارة.
وأشار بقوله : (إِنَّ اللهَ سَرِيعُ الْحِسابِ) إلى أنّه يبادر لهم بأجرهم في الدنيا ويجعله لهم يوم القيامة.
(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصابِرُوا وَرابِطُوا وَاتَّقُوا اللهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (٢٠٠))
ختمت السورة بوصاية جامعة للمؤمنين تجدّد عزيمتهم وتبعث الهمم إلى دوام الاستعداد للعدوّ كيلا يثبّطهم ما حصل من الهزيمة ، فأمرهم بالصبر الذي هو جماع الفضائل وخصال الكمال ، ثم بالمصابرة وهي الصبر في وجه الصابر ، وهذا أشدّ الصبر ثباتا في النفس وأقربه إلى التزلزل ، ذلك أنّ الصبر في وجه صابر آخر شديد على نفس الصابر لما يلاقيه من مقاومة قرن له في الصبر قد يساويه أو يفوقه ، ثم إنّ هذا المصابر إن لم يثبت على صبره حتّى يملّ قرنه فإنّه لا يجتني من صبره شيئا ، لأنّ نتيجة الصبر تكون لأطول الصابرين صبرا ، كما قال زفر بن الحارث في اعتذاره عن الانهزام :