الفاء دليل الجواب لأنّه علّته ، والتقدير : فإن كذّبوك فلا عجب أو فلا تخزن لأنّ هذه سنّة قديمة في الأمم مع الرسل مثلك ، وليس ذلك لنقص فيما جئت به. والبيّنات : الدلائل على الصدق ، والزبر جمع زبور وهو فعول بمعنى مفعول مثل رسول ، أي مزبور بمعنى مخطوط. وقد قيل : إنه مأخوذ من زبر إذا زجر أو حبس لأنّ الكتاب يقصد للحكم. وأريد بالزبر كتب الأنبياء والرسل ، ممّا يتضمّن مواعظ وتذكيرا مثل كتاب داود والإنجيل.
والمراد بالكتاب المنير : إن كان التعريف للجنس فهو كتب الشرائع مثل التوراة والإنجيل ، وإن كان للعهد فهو التوراة ، ووصفه بالمنير مجاز بمعنى المبيّن للحق كقوله : (إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْراةَ فِيها هُدىً وَنُورٌ) [المائدة : ٤٤] والعطف منظور فيه إلى التوزيع ، فبعض الرسل جاء بالزّبر ، وبعضهم بالكتاب المنير ، وكلّهم جاء بالبيّنات.
وقرأ الجمهور (وَالزُّبُرِ) بعطف الزبر بدون إعادة باء الجرّ.
وقرأه ابن عامر : وبالزبر ـ بإعادة باء الجرّ بعد واو العطف ـ وكذلك هو مرسوم في المصحف الشامي.
وقرأ الجمهور : والكتاب ـ بدون إعادة باء الجرّ ـ وقرأه هشام عن ابن عامر ـ وبالكتاب ـ باعادة باء الجرّ ـ وهذا انفرد به هشام ، وقد قيل : إنّه كتب كذلك في بعض مصاحف الشام العتيقة ، وليست في المصحف الإمام. ويوشك أن تكون هذه الرواية لهشام عن ابن عامر شاذّة في هذه الآية ، وأنّ المصاحف التي كتبت بإثبات الباء في قوله : (وَبِالْكِتابِ) [فاطر : ٢٥] كانت مملاة من حفّاظ هذه الرواية الشاذّة.
(كُلُّ نَفْسٍ ذائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّما تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فازَ وَمَا الْحَياةُ الدُّنْيا إِلاَّ مَتاعُ الْغُرُورِ (١٨٥))
هذه الآية مرتبطة بأصل الغرض المسوق له الكلام ، وهو تسلية المؤمنين على ما أصابهم يوم أحد ، وتفنيد المنافقين في مزاعمهم أنّ الناس لو استشاروهم في القتال لأشاروا بما فيه سلامتهم فلا يهلكوا ، فبعد أنّ بيّن لهم ما يدفع توهّمهم أنّ الانهزام كان خذلانا من الله وتعجّبهم منه كيف يلحق قوما خرجوا لنصر الدين وأن لا سبب للهزيمة بقوله : (إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطانُ) [آل عمران : ١٥٥] ثم بيّن لهم أنّ في تلك الرّزية فوائد بقول الله تعالى : (لِكَيْلا تَحْزَنُوا عَلى ما فاتَكُمْ) [آل عمران : ١٥٣] وقوله : (وَلِيَعْلَمَ الْمُؤْمِنِينَ) [آل عمران : ١٦٦] ، ثم أمرهم بالتسليم لله في كلّ حال فقال : (وَما أَصابَكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعانِ