الهزيمة.
والشهداء هم الّذين قتلوا يوم أحد ، وعبّر عن تقدير الشهادة لهم بالاتّخاذ لأنّ الشهادة فضيلة من الله ، واقتراب من رضوانه ، ولذلك قوبل بقوله : (وَاللهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ) أي الكافرين فهو في جانب الكفّار ، أي فقتلاكم في الجنّة ، وقتلاهم في النّار ، فهو كقوله : (قُلْ هَلْ تَرَبَّصُونَ بِنا إِلَّا إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ) [التوبة : ٥٢].
والتّمحيص : التنقية والتخليص من العيوب. والمحق : الإهلاك. وقد جعل الله تعالى مسّ القرح المؤمنين والكفار فاعلا فعلا واحدا : هو فضيلة في جانب المؤمنين ، ورزيّة في جانب الكافرين ، فجعله للمؤمنين تمحيصا وزيادة في تزكية أنفسهم ، واعتبارا بمواعظ الله تعالى ، وجعله للكافرين هلاكا ، لأنّ ما أصابهم في بدر تناسوه ، وما انتصروه في أحد يزيدهم ثقة بأنفسهم فيتواكلون ؛ يظنون المسلمين قد ذهب بأسهم ، على أنّ المؤمنين في ازدياد ، فلا ينقصهم من قتل منهم ، والكفّار في تناقض فمن ذهب منهم نفد. وكذلك شأن المواعظ والنذر والعبر قد تكسب بعض النّفوس كمالا وبعضها نقصا قال أبو الطيب :
فحبّ الجبان العيش أورده التّقى |
|
وحبّ الشجاع العيش أورده الحربا |
ويختلف القصدان والفعل واحد |
|
إلى أن نرى إحسان هذا لنا ذنبا |
وقال تعالى : (وَإِذا ما أُنْزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ أَيُّكُمْ زادَتْهُ هذِهِ إِيماناً فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزادَتْهُمْ إِيماناً وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ* وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزادَتْهُمْ رِجْساً إِلَى رِجْسِهِمْ) [التوبة : ١٢٤ ، ١٢٥] ، وقال : (وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ ما هُوَ شِفاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَساراً) [الإسراء : ٨٢] وهذا من بديع تقدير الله تعالى.
(أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللهُ الَّذِينَ جاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ (١٤٢))
(أَمْ) هنا منقطعة ، هي بمعنى (بل) الانتقالية ، لأنّ هذا الكلام انتقال من غرض إلى آخر ، وهي إذا استعملت منقطعة تؤذن بأنّ ما بعدها استفهام ، لملازمتها للاستفهام ، حتّى قال الزمخشري والمحقّقون : إنّها لا تفارق الدلالة على الاستفهام بعدها ، وقال غيره : ذلك هو الغالب وقد تفارقه ، واستشهدوا على مفارقتها للاستفهام بشواهد تقبل التّأويل.
فقوله : (أَمْ حَسِبْتُمْ) عطف على جملة (وَلا تَهِنُوا) [آل عمران : ١٣٩] وذلك أنّهم لمّا مسّهم القرح فحزنوا واعتراهم الوهن حيث لم يشاهدوا مثل النّصر الّذي شاهدوه يوم بدر ،